الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        السادسة : إذا خرج بعض النجوم مستحقا ، تبين أن لا عتق ؛ لأن الأداء لم يصح ، وإن ظهر الاستحقاق بعد موت المكاتب تبين أنه مات رقيقا ، وأن ما تركه للسيد دون الورثة .

                                                                                                                                                                        ولو قال السيد عند الأخذ : اذهب فأنت حر ، أو قد عتقت ثم بان الاستحقاق ، فهل يحكم بالحرية مؤاخذة له أم لا ؛ لأنه بناه على ظاهر الحال ، وهو صحة الأداء ؟ وجهان ، أصحهما : الثاني ، وهو المنصوص ، وهما كالوجهين فيما إذا خرج المبيع مستحقا وكان قد قال في مخاصمة المدعي : إنه كان ملكا للبائع فلان إلى أن اشتريته منه أنه هل يرجع بالثمن على بائعه ؟ وجزم البغوي بالأصح في المسألتين .

                                                                                                                                                                        ثم قال : ولو اختلفا فقال المكاتب : أعتقتني بقولك : أنت حر ، وقال السيد : أردت أنك حر بما أديت ، وبان أنه لم يصح الأداء ، فالقول قول السيد بيمينه ، وهذا السياق يقتضي أن مطلق قول السيد محمول على أنه حر بما أدى ، وإن لم يذكر إرادته ، قال الصيدلاني : وقياس تصديق السيد أنه لو [ ص: 248 ] قيل لرجل : طلقت امرأتك ؟ فقال : نعم ، طلقتها ، ثم قال : إنما قلت ذلك على ظن أن اللفظ الذي جرى طلاق ، وقد سألت المفتين فقالوا : لا يقع به شيء . وقالت المرأة : بل أردت إنشاء الطلاق أو الإقرار به ، أنه يقبل قوله بيمينه ، وكذا الحكم في مثله في العتق ، وهكذا قد ذكره غيره ، ونقله الروياني ، ولم يعترض عليه ، لكن قال الإمام هذا عندي غلط ؛ لأن الإقرار جرى بصريح الطلاق ، فقبول قوله في دفعه محال .

                                                                                                                                                                        ولو فتح هذا الباب لما استقر إقرار بخلاف إطلاق لفظ الحرية عقيب قبض النجوم ، فإنه محمول على الإخبار عما يقتضيه القبض ، ولم توجد الإشارة في الطلاق إلى واقعة ، وإنما وجد سؤال مطلق ، وجواب مطلق .

                                                                                                                                                                        وفي كلام الإمام إشعار بأن قوله : أنت حر ، إنما يقبل تنزيله على الحرية بموجب القبض إذا رتبه على القبض ، وإن في مسألة الطلاق لو وجد قرينة عند الإقرار ، بأن كانا يتخاصمان في لفظة أطلقها ، فقال ذلك ، ثم ذكر التأويل ، يقبل ، وأن في الصورتين لو انفصل قوله عن القرائن لم يقبل التأويل .

                                                                                                                                                                        وهذا تفصيل قويم لا بأس بالأخذ به ، لكن قال في " الوسيط " : لا فرق بين أن يكون قوله : أنت حر جوابا عن سؤال حريته أم ابتداء ، وبين أن يكون متصلا بقبض النجوم ، أو غير متصل ؛ لشمول العذر . ومال لذلك إلى قبول التأويل في الطلاق وغيره .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية