باب المساكنة ( قال ) رضي الله عنه : وإذا لم يحنث ; لأن المساكنة على ميزان المفاعلة ، فشرط حنثه وجود السكنى مع فلان ، والسكنى المكث في مكان على سبيل الاستقرار والدوام ، فتكون المساكنة بوجود هذا الفعل منهما على سبيل المخالطة والمقارنة ، وذلك إذا سكنا بيتا واحدا [ ص: 161 ] أو سكنا في دار ، وكل واحد منهما في بيت منها ; لأن جميع الدار مسكن واحد ، فأما إذا كان في الدار مقاصير وحجر ، فكل مقصورة مسكن على حدة ، فلا يكون هو مساكنا فلانا فلا يحنث في يمينه بمنزلة ما لو سكنا في محلة ، كل واحد منهما على حدة ، والدليل على الفرق أن الدار التي تشتمل على المقاصير ، كل مقصورة منها حرز على حدة ، حتى لو أخرج السارق المتاع من مقصورة ، فأخذ في صحن الدار يقطع ، ولو سرق من يسكن إحدى المقصورتين من المقصورة الأخرى يقطع ، والدار التي تشتمل على بيوت حرز واحد حتى لو أخرج السارق المتاع من بيت ، وأخذ في صحن الدار لا يقطع ، ومن كان مأذونا في الدخول في أحد البيوت من الدار إذا سرق من البيت الآخر لا يقطع ، وعن حلف الرجل لا يساكن فلانا ، ولا نية له فساكنه في دار كل واحد منهما في مقصورة على حدة رحمه الله تعالى قال : هذا إذا كانت الدار كبيرة نحو دار الوليد أبي يوسف بالكوفة ، ونظيره دار نوح ببخارى ; لأن ذلك بمنزلة المحلة .
فأما إذا لم يكن بهذه الصفة فإنه يحنث ، سواء كانت الدار تشتمل على مقاصير ، أو على بيوت ; لأن في عرف الناس هذا مسكن واحد ويعد الحالف مساكنا لصاحبه ، وإن كان كل واحد في مقصورة ، وإن كان نوى حين حلف أن لا يساكنه في بيت واحد ، أو في حجرة أو في منزل واحد بأن يكونا فيه جميعا لم يحنث حتى يساكنه فيما نوى ; لأن المنوي من محتملات لفظه ، ( فإن قيل ) : المسكن ليس في لفظه ، فكيف تعمل نيته في تخصيص المسكن ، ونية التخصيص فيما لا لفظ له باطل ؟ ( قلنا ) : نحن لا نعتبر تخصيص المسكن حتى لو نوى شيئا بعينه ، لا تعمل نيته ، ولكن الفعل يقتضي المصدر لا محالة ، فبذكر الفعل يصير المصدر كالمذكور لغة ، وهو إنما نوى أكمل ما يكون من السكنى ; لأن أكمل ذلك أن يجمعها بيت واحد ، وما دون هذا عند المقابلة بهذا يكون قاصرا ، فيكون هذا منه نية نوع من السكنى ، وذلك صحيح ، نظيره ما قال في الجامع : إن خرجت ونوى السفر تعمل نيته ; لأنه نوى نوعا من الخروج ، والخروج الذي هو مصدر كالمذكور بذكر الفعل فتصح نيته في نوع منه بخلاف ما إذا نوى الخروج إلى بغداد ; لأن المكان ليس في لفظه فلا تعمل نيته في ذلك ، وإن كان نوى أن لا يساكنه في مدينة أو قرية ، وسمى ذلك ، فإن ساكنه في شيء من ذلك حنث ، ولا تكون المساكنة في ذلك إلا أن يسكنا بيتا واحدا أو دارا واحدة من دار البلدة أو القرية على ما بينا أن المساكنة فعل على سبيل المخالطة والمقارنة ، وذلك لا يكون إلا في مسكن واحد ، وفائدة تخصيصه البلدة أو القرية إخراج سائر المواضع عن يمينه .
وعن رحمه الله أنه [ ص: 162 ] في هذا الفصل يحنث إذا جمعهما المكان الذي سمى في السكنى ، وإن كان كل واحد منهما في دار على حدة لأجل العرف فإنه يقال : فلان يساكن فلانا قرية كذا وبلدة كذا ، وإن كان كل واحد منهما في دار على حدة ، فأما في ظاهر الرواية لا يحنث في ذلك إلا أن ينويه ، فحينئذ تعمل نيته لما فيه من التشديد عليه . أبي يوسف