والثاني : لقوله عليه الصلاة والسلام { أن لا يكون ملك القاتل ، ولا له فيه شبهة الملك حتى لا يقتل المولى بعبده } ، ولأنه لو وجب القصاص لوجب له والقصاص الواحد كيف يجب له وعليه وكذا إذا كان يملك بعضه فقتله لا قصاص عليه لأنه لا يمكن استيفاء بعض القصاص دون بعض ; لأنه غير متجزئ ، وكذا إذا كان له فيه شبهة الملك كالمكاتب إذا قتل عبدا من كسبه ; لأن للمكاتب شبهة في أكسابه ، والشبهة في هذا الباب ملحقة بالحقيقة ، ولا يقتل المولى بمدبره ، وأم ولده ، ومكاتبه ، لأنهم مماليكه حقيقة ، ألا ترى أنه لو قال : " كل مملوك لي فهو حر " عتق هؤلاء إلا المكاتب فإنه لا يعتق إلا بالنية لقصور في الإضافة إليه بالملك لزوال ملك اليد . لا يقاد الوالد بولده ، ولا السيد بعبده
ويقتل العبد بمولاه ، وكذا المدبر ، وأم الولد ، والمكاتب لعمومات النصوص ، ولتحقيق ما شرع له القصاص ، وهو الحياة بالزجر والردع ، بخلاف المولى إذا قتل هؤلاء ; لأن شفقة المولى على ماله تمنعه عن القتل عند سيحان العداوة الحامل على القتل إلا نادرا ، فلا حاجة إلى الزجر بالقصاص بخلاف العبد ، ولو أحدهما ممن يجب القصاص عليه لو انفرد ، والآخر لا يجب عليه لو انفرد ممن ذكرنا كالصبي مع البالغ ، والمجنون مع العاقل ، والخاطئ مع العامد ، والأب مع الأجنبي ، والمولى مع الأجنبي لا قصاص عليهما عندنا ، وقال اشترك اثنان في قتل رجل - رحمه الله - يجب القصاص على العاقل ، والبالغ ، والأجنبي إلا العامد فإنه لا قصاص عليه إذا شاركه الخاطئ . الشافعي
( وجه ) قوله أن سبب الوجوب وجد من كل واحد منهما ، وهو القتل العمد ، إلا أنه امتنع الوجوب على أحدهما لمعنى يخصه فيجب على الآخر ، ولنا أنه تمكنت شبهة عدم القتل في فعل كل واحد منهما ، لأنه يحتمل أن يكون فعل من لا يجب عليه القصاص لو انفرد مستقلا في القتل ، فيكون فعل الآخر فضلا ، ويحتمل على القلب ، وهذه الشبهة ثابتة في الشريكين الأجنبيين ، إلا أن الشرع أسقط اعتبارها ، وألحقها بالعدم فتحا لباب القصاص ، وسدا لباب العدوان ، لأن الاجتماع ثم يكون أغلب ، وههنا أندر فلم يكن في معنى مورد الشرع فلا يلحق [ ص: 236 ] به ، وعليهما الدية لوجود القتل إلا أنه امتنع وجوب القصاص للشبهة فتجب الدية ، ثم ما يجب على الصبي والمجنون والخاطئ تتحمله العاقلة ، وما يجب على البالغ والعاقل والعامد يكون في ماله ; لأن القتل عمد لكن سقط القصاص للشبهة ، والعاقلة لا تعقل العمد وفي الأب ، والأجنبي الدية في مالهما ; لأن القتل عمد ، وفي المولى مع الأجنبي على الأجنبي نصف قيمة العبد في ماله لما قلنا ، وكذلك إذا جرح نفسه ، وجرحه أجنبي فمات لا قصاص على الأجنبي عندنا خلافا ، وعلى الأجنبي نصف الدية ، لأنه مات بجرحين أحدهما هدر ، والآخر معتبر ، وعلى هذا مسائل تأتي في موضع آخر إن شاء الله تعالى . للشافعي