الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  ( 403 ) حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني ، ثنا أبو جعفر النفيلي [ ص: 177 ] ، ثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، قال : لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة منصرفه من الطائف كتب بجير بن زهير بن أبي سلمى إلى أخيه كعب بن زهير بن أبي سلمى يخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل رجلا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه ، وأنه من بقي من شعراء قريش ابن الزبعرى ، وهبيرة بن أبي وهب قد هربوا في كل وجه ، فإن كانت لك في نفسك حاجة ففر إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه لا يقتل أحدا جاء تائبا ، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك ، وقد كان كعب قال أبياتا نال فيها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان في حاضره من عدوه ، قالوا : هو مقتول ، فلما لم يجد من شيء بدا ، قال قصيدته التي مدح فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر خوفه وإرجاف الوشاة به من غده ، ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة ، من جهينة كما ذكر لي ، فغدا به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صلى الصبح ، فصلى مع الناس ، ثم أشار له إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : هذا رسول الله ، فقم إليه فاستأمنه ، فذكر لي أنه قام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى وضع يده في يده ، وكان رسول الله لا يعرفه ، فقال : يا رسول الله إن كعب بن زهير جاء يستأمن منك تائبا مسلما ، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به ؟ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نعم " ، قال : يا رسول الله أنا كعب بن زهير قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، قال : وثب عليه رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " دعه عنك ، فإنه قد جاء تائبا نازعا " ، فغضب على هذا الحي من الأنصار بما صنع به صاحبهم ، وذلك أنه لم [ ص: 178 ] يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير ، فقال قصيدته التي قالها حين قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان مما قال فيها :


                                                                  تمشي الوشاة بجنبيها وقولهم إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول     وقال كل صديق كنت آمله
                                                                  لا ألقينك إني عنك مشغول     فقلت : خلوا سبيلي لا أبا لكم
                                                                  فكل ما قدر الرحمن مفعول     كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
                                                                  يوما على آلة حدباء محمول     نبئت أن رسول الله أوعدني
                                                                  والعفو عند رسول الله مأمول     مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال
                                                                  فرقان فيها مواعيظ وتفصيل     لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم
                                                                  أذنب ولو كثرت في الأقاويل     إن الرسول لنور يستضاء به
                                                                  مهند من سيوف الله مسلول     في عصبة من قريش قال قائلهم
                                                                  ببطن مكة لما أسلموا : زولوا     زالوا فما زال أنكاس ولا كشف عند اللقاء ولا ميل معازيل
                                                                  يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم     ضرب إذا عرد السود التنابيل
                                                                  شم العرانين أبطال لبوسهم     من نسج داود في الهيجا سرابيل
                                                                  بيض سوابغ قد شكت لها حلق     كأنها حلق العقفاء مجدول
                                                                  ليست مفاريح إن نالت رماحهم قوما     وليسوا مجازيعا وإن نيلوا
                                                                  لا يقع الطعن إلا في نحورهم     وما لهم عن حياض الموت تهليل



                                                                  قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمرو ، قال : فلما قال : السود التنابيل ، وإنما يريد معشر الأنصار لما كان صاحبهم صنع ، وخص المهاجرين من قريش من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمدحته ، غضبت عليه الأنصار فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار ويذكر بلاءهم [ ص: 179 ] مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وموضعهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - :


                                                                  من سره كرم الحياة فلا يزل     في مقنب من صالحي الأنصار
                                                                  الباذلين نفوسهم لنبيهم يوم الهياج وفتنة الجبار     والضاربين الناس عن أحياضهم بالمشرفي وبالقنا الخطار
                                                                  والناظرين بأعين محمرة كالجمر غير كليلة الإبصار     يتطهرون كأنه نسك لهم بدماء من قتلوا من الكفار
                                                                  لو يعلم الأقوام علمي كله فيهم لصدقني الذين أماري .



                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية