الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  باب .

                                                                  ( 154 ) حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف ، ثنا أحمد بن صالح ، ثنا ابن وهب ، أخبرني حيوة بن شريح ، عن عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، أن كعب بن الأشرف اليهودي ، كان شاعرا وكان يهجو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ويحرض [ ص: 77 ] عليهم كفار قريش في شعره ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة وهي أخلاط ، منهم المسلمون الذين يجمعهم دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفيهم المشركون الذين يعبدون الأوثان ، ومنهم اليهود ، ومنهم أهل الحلقة والحصون ، وهم حلفاء الحيين الأوس والخزرج ، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم استصلاحهم وموادعتهم ، وكان الرجل يكون مسلما وأبوه مشركا ، والرجل يكون مسلما وأخوه مشركا ، وكان المشركون واليهود من أهل المدينة حين قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤذون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أشد الأذى ، وأمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم ، ففيهم أنزل الله - تعالى - : ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ، إلى قوله من عزم الأمور ، وفيهم أنزل الله - تعالى - : ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا ، إلى قوله حتى يأتي الله بأمره ، فلما أبى كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأذى المسلمين أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن معاذ ، ومحمد بن مسلمة الأنصاري ثم الحارثي ، وأبا عيسى بن حبر الأنصاري ، والحارث ابن أخي سعد بن معاذ في خمسة رهط فأتوه عشية في مجلسه بالعوالي ، فلما رآهم كعب بن الأشرف أنكر شأنهم ، وكان يذعر منهم ، وقال لهم : ما جاء بكم ؟ ، قالوا : جاء بنا حاجة إليك ، قال : فليدن إلي بعضكم ليحدثني بها ، فدنا إليه بعضهم ، فقال : قد جئناك لنبيعك أدراعا لنا لنستنفق أثمانها ، فقال : والله لئن فعلتم لقد جهدتم منذ نزل بكم هذا الرجل ، فواعدهم أن يأتوه عشاء حين يهدي عنه الناس ، فجاءوه فناداه رجل منهم ، فقام ليخرج إليهم ، فقالت امرأته : ما طرقوك ساعتهم هذه بشيء مما تحب ، قال : بلى ، إنهم قد حدثوني حديثهم ، فخرج إليهم ، فاعتنقه محمد بن مسلمة ، وقال لأصحابه : [ ص: 78 ] لا يسبقكم وإن قتلتموني وإياه جميعا ، فطعنه بعضهم بالسيف في خاصرته ، فلما قتلوه فزعت اليهود ، ومن كان معهم من المشركين ، فغدوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أصبحوا ، فقالوا : قد طرق صاحبنا الليلة ، وهو سيد من ساداتنا ، فقتل غيلة ، فذكر لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يقول في أشعاره ويؤذيهم به ، فدعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب بينه وبينهم وبين المسلمين عامة صحيفة فيها جامع أمر الناس ، فكتبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية