الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر خبر الغزاة الخراسانية مع ركن الدولة

في هذه السنة ، في رمضان ، خرج من خراسان جمع عظيم يبلغون عشرين ألفا إلى الري بنية الغزاة ، فبلغ خبرهم إلى ركن الدولة ، وكثرة جمعهم ، وما فعلوه في أطراف بلاده من الفساد ، وأن رؤساءهم لم يمنعوهم ( عن ذلك ) ، ( فأشار عليه الأستاذ أبو الفضل بن العميد ، وهو وزيره ، بمنعهم من دخول بلاده مجتمعين ، فقال : لا تتحدث الملوك أنني خفت جمعا من الغزاة ، فأشار عليه بتأخيرهم إلى أن يجمع عسكره ، وكانوا متفرقين في أعمالهم ، فلم يقبل منه ، فقال له : أخاف أن يكون لهم مع صاحب خراسان مواطأة على بلادك ودولتك ، فلم يلتفت إلى قوله .

فلما وردوا الري اجتمع رؤساؤهم ، وفيهم القفال الفقيه ، وحضروا مجلس ابن العميد ، وطلبوا مالا ينفقونه ، فوعدهم فاشتطوا في الطلب وقالوا : نريد خراج هذه البلاد جميعها ، فإنه لبيت المال ، وقد فعل الروم بالمسلمين ما بلغكم ، واستولوا على بلادكم ، وكذلك الأرمن ، ونحن غزاة ، وفقراء ، وأبناء سبيل ، فنحن أحق بالمال منكم ، وطلبوا جيشا يخرج معهم ، واشتطوا في الاقتراح ، فعلم ابن العميد حينئذ خبث سرائرهم ، وتيقن ما كان ظنه فيهم ، فرفق بهم وداراهم ، فعدلوا عنه إلى مشاتمة الديلم ، ولعنهم ، وتكفيرهم ، ثم قاموا عنه ، وشرعوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويسلبون العامة بحجة ذلك ، ثم إنهم أثاروا الفتنة ، وحاربوا جماعة من الديلم إلى أن حجز بينهم الليل ، ثم باكروا القتال ودخلوا المدينة ، ونهبوا دار الوزير ابن العميد وجرحوه ، وسلم من القتل .

وخرج ركن الدولة إليهم في أصحابه ، وكان في قلة ، فهزمه الخراسانية ، فلو تبعوه لأتوا عليه وملكوا البلد منه ، لكنهم عادوا عنه لأن الليل أدركهم ، فلما أصبحوا راسلهمركن الدولة ولطف بهم ، لعلهم يسيرون من بلده ، فلم يفعلوا ، وكانوا ينتظرون مددا يأتيهم [ ص: 263 ] من صاحب خراسان ، فإنهم كان بينهم مواعدة على تلك البلاد .

ثم إنهم اجتمعوا وقصدوا البلد ليملكوه ، فخرج ركن الدولة إليهم فقاتلهم ، وأمر نفرا من أصحابه أن يسيروا إلى مكان يراهم ، ثم يثيروا غبرة شديدة ، ويرسلوا إليه من يخبره أن الجيوش قد أتته ، ففعلوا ذلك .

وكان أصحابه قد خافوا لقلتهم ، وكثرة عدوهم ، فلما رأوا الغبرة وأتاهم من أخبرهم أن أصحابه لحقوهم قويت نفوسهم ، وقال لهم ركن الدولة : احملوا على هؤلاء لعلنا نظفر بهم قبل وصول أصحابنا ، فيكون الظفر والغنيمة لنا ، فكبروا ، وحملوا حملة صادقة ، فكان لهم الظفر ، وانهزم الخراسانية ، وقتل منهم خلق كثير ، وأسر أكثر ممن قتل ، وتفرق الباقون ، فطلبوا الأمان ، فأمنهم ركن الدولة .

وكان قد دخل البلد جماعة منهم يكبرون كأنهم يقاتلون الكفار ، ويقتلون كل من رأوه بزي الديلم ، ويقولون هؤلاء رافضة ، فبلغهم خبر انهزام أصحابهم ، وقصدهم الديلم ليقتلوهم ، فمنعهم ركن الدولة وأمنهم ، وفتح لهم الطريق ليعودوا ، ووصل بعدهم نحو ألفي رجل بالعدة والسلاح ، فقاتلهم ركن الدولة ، فهزمهم وقتل فيهم ، ثم أطلق الأسارى ، وأمر لهم بنفقات ، وردهم إلى بلادهم ، وكان إبراهيم بن المرزبان عند ركن الدولة ، فأثر فيهم آثارا حسنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية