ثم استأنف معللا في جواب من كأنه قال: ما لهم خصوا بهذا الوعيد الشديد؟ فقال تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=29706_32410_28989nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5ما لهم به أي القول
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5من علم أصلا لأنه مما لا يمكن أن يعلق العلم به لأنه لا وجود له ولا يمكن وجوده، ثم قرر هذا المعنى وأكد بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5ولا لآبائهم الذين هم مغتبطون بتقليدهم في الدين حتى في هذا الذي لا يتخيله عاقل، ولو أخطؤوا في تصرف دنيوي لم يتبعوهم فيه، تنبيها على أنه لا يحل لأحد أن يقول على الله تعالى ما لا علم له به، ولا سيما في أصول الدين، ثم هول أمر ذلك بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كبرت أي مقالتهم هذه "كلمة"
[ ص: 9 ] أي ما أكبرها من كلمة! وصور فظاعة اجترائهم على النطق بها بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5تخرج من أفواههم أي لم يكفهم خطورها في نفوسهم، وترددها في صدورهم، حتى تلفظوا بها، وكان تلفظهم بها على وجه التكرير - بما أشار إليه التعبير بالمضارع; ثم بين ما أفهمه الكلام من أنه كما أنهم لا علم لهم بذلك لا علم لأحد به أصلا، لأنه لا وجود له فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5إن [أي ما]
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5يقولون إلا كذبا أي قولا لا حقيقة له بوجه من الوجوه.
وقال
ابن الزبير في برهانه: من الثابت المشهور أن
قريشا بعثوا إلى اليهود
بالمدينة يسألونهم في أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأجابت يهود بسؤاله عن ثلاثة أشياء، [قالوا]: فإن أجابهم فهو نبي، وإن عجز فالرجل متقول فارؤوا فيه رأيكم، وهي الروح، وفتية ذهبوا في الدهر الأول وهم أهل الكهف، وعن رجل طواف [بلغ] مشارق الأرض ومغاربها، فأنزل الله عليه جواب ما سألوه، وبعضه في سورة الإسراء
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85ويسألونك عن الروح الآية، واستفتح سبحانه وتعالى سورة الكهف بحمده، وذكر نعمة الكتاب
[ ص: 10 ] وما أنزل
بقريش وكفار
العرب من البأس يوم
بدر وعام الفتح، وبشارة المؤمنين [بذلك] وما منحهم الله تعالى من النعيم الدائم، وإنذار القائلين بالولد من النصارى وعظيم مرتكبهم وشناعة قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5إن يقولون إلا كذبا وتسلية نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أمر جميعهم
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6فلعلك باخع نفسك والتحمت الآي أعظم التحام، وأحسن التئام، إلى ذكر ما سأل عنه الكفار من أمر الفتية
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ثم بسطت الآي قصتهم، وأوضحت أمرهم، واستوفت خبرهم; ثم ذكر سبحانه أمر
ذي القرنين وطوافه وانتهاء أمره، فقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=83ويسألونك عن ذي القرنين -الآيات، وقد فصلت بين القصتين بمواعظ وآيات مستجدة على أتم ارتباط، وأجل اتساق، ومن جملتها قصة الرجلين وجنتي أحدهما وحسن الجنتين وما بينهما وكفر صاحبهما واغتراره، وهما من بني إسرائيل، ولهما قصة، وقد أفصحت هذه الآي منها باغترار أحدهما بما لديه وركونه إلى توهم البقاء، وتعويل صاحبه على ما عند ربه ورجوعه إليه وانتهاء أمره - بعد المحاورة الواقعة في الآيات بينهما - إلى إزالة ما تخيل المفتون بقاءه، ورجع ذلك كأن لم يكن، ولم يبق بيده إلا الندم، ولا صح له من جنته بعد عظيم تلك البهجة سوى التلاشي والعدم، وهذه حال من ركن [إلى ما] سوى المالك، ومن كل شيء إلا وجهه سبحانه وتعالى فان وهالك
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36إنما الحياة الدنيا لعب ولهو nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=50ففروا إلى الله [ ص: 11 ] ثم أعقب ذلك بضرب مثل الحياة الدنيا لمن اعتبر واستبصر، وعقب تلك الآيات بقصة
موسى والخضر عليهما [السلام] إلى تمامها، وفي كل ذلك من تأديب بني إسرائيل وتقريعهم وتوبيخ مرتكبهم في توقفهم عن الإيمان وتعنيفهم في توهمهم عند فتواهم لكفار
قريش بسؤاله عليه السلام عن القصص [الثلاث] أن قد حازوا العلم وانفردوا بالوقوف على ما [لا] يعلمه غيرهم، فجاء جواب
قريش بما يرغم الجميع ويقطع دابرهم، وفي ذكر قصة
موسى والخضر إشارة لهم لو عقلوا، وتحريك لمن سبقت له منهم السعادة، وتنبيه لكل موفق في تسليم الإحاطة لمن هو العليم الخبير، وبعد تقريعهم وتوبيخهم بما أشير إليه عاد الكلام إلى بقية سؤالهم فقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=83ويسألونك عن ذي القرنين إلى آخر القصة، وليس بسط هذه القصص من مقصودنا وقد حصل، ولم يبق إلا السؤال عن وجه انفصال جوابهم ووقوعه في السورتين مع أن السؤال واحد، وهذا ليس من شرطنا فلننسأه بحول الله إلى موضعه إن قدر به - انتهى. وقد تقدم في سورة الإسراء من الجواب [عن هذا أن] الروح ضمت إليها، لأنه من سر الملكوت كالإسراء، وبقي أنه لما أجمل سبحانه أمرها لما ذكر من عظيم السر، وعيب عليهم اشتغالهم بالسؤال وترك ما هو من عالمها، وهو أعظم منها ومن كل ما برز إلى الوجود من ذلك العالم من الروح
[ ص: 12 ] المعنوي الذي به صلاح الوجود كله، وهو القرآن العظيم، وعظم أمره بما ذكر في الإسراء إلى أن اقتضى [الحال] في إنهاء عظمته أن يدل على إصلاح الوجود به بما حرره وفصله وقرره من أمر السؤالين الباقيين اللذين هما من ظاهر الملك فيما ضم إليهما مما تم به الأمر، واتضح به [ما له] من جليل القدر، كان الأكمل في ذلك أن يكون ما انتظم به ذلك سورة على حدتها، ولما كان أمر أهل الكهف من حفظ الروح في الجسد على ما لم يعهد مثله ثم إفاضتها، قدم الجواب عن السؤال عنهم ليلي أمر الروح، وختم
بذي القرنين لإحاطة أمره بما طاف من الأرض، ولما جعل من السد علما على انقضاء شأن هذه الدار وختام أمرها، وطي ما برز من نشرها- والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثُمَّ اسْتَأْنَفَ مُعَلِّلًا فِي جَوَابِ مَنْ كَأَنَّهُ قَالَ: مَا لَهُمْ خُصُّوا بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ؟ فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=29706_32410_28989nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5مَا لَهُمْ بِهِ أَيِ الْقَوْلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5مِنْ عِلْمٍ أَصْلًا لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَقَ الْعِلْمُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ وَلَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ، ثُمَّ قَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى وَأَكَّدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5وَلا لآبَائِهِمْ الَّذِينَ هُمْ مُغْتَبِطُونَ بِتَقْلِيدِهِمْ فِي الدِّينِ حَتَّى فِي هَذَا الَّذِي لَا يَتَخَيَّلُهُ عَاقِلٌ، وَلَوْ أَخْطَؤُوا فِي تَصَرُّفٍ دُنْيَوِيٍّ لَمْ يَتْبَعُوهُمْ فِيهِ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَلَا سِيَّمَا فِي أُصُولِ الدِّينِ، ثُمَّ هَوَّلَ أَمْرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كَبُرَتْ أَيْ مَقَالَتُهُمْ هَذِهِ "كَلِمَةً"
[ ص: 9 ] أَيْ مَا أَكْبَرَهَا مِنْ كَلِمَةٍ! وَصَوَّرَ فَظَاعَةَ اجْتِرَائِهِمْ عَلَى النُّطْقِ بِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ أَيْ لَمْ يَكْفِهِمْ خُطُورُهَا فِي نُفُوسِهِمْ، وَتَرَدُّدُهَا فِي صُدُورِهِمْ، حَتَّى تَلَفَّظُوا بِهَا، وَكَانَ تَلَفُّظُهُمْ بِهَا عَلَى وَجْهِ التَّكْرِيرِ - بِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ التَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ; ثُمَّ بَيَّنَ مَا أَفْهَمَهُ الْكَلَامُ مِنْ أَنَّهُ كَمَا أَنَّهُمْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِذَلِكَ لَا عِلْمَ لِأَحَدٍ بِهِ أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5إِنْ [أَيْ مَا]
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا أَيْ قَوْلًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.
وَقَالَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي بُرْهَانِهِ: مِنَ الثَّابِتِ الْمَشْهُورِ أَنَّ
قُرَيْشًا بَعَثُوا إِلَى الْيَهُودِ
بِالْمَدِينَةِ يَسْأَلُونَهُمْ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَجَابَتْ يَهُودُ بِسُؤَالِهِ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، [قَالُوا]: فَإِنْ أَجَابَهُمْ فَهُوَ نَبِيٌّ، وَإِنْ عَجَزَ فَالرَّجُلُ مُتَقَوِّلٌ فَارْؤَوْا فِيهِ رَأْيَكُمْ، وَهِيَ الرُّوحُ، وَفِتْيَةٌ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ وَهُمْ أَهْلُ الْكَهْفِ، وَعَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ [بَلَغَ] مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ جَوَابَ مَا سَأَلُوهُ، وَبَعْضُهُ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ الْآيَةِ، وَاسْتَفْتَحَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سُورَةَ الْكَهْفِ بِحَمْدِهِ، وَذِكْرِ نِعْمَةِ الْكِتَابِ
[ ص: 10 ] وَمَا أَنْزَلَ
بِقُرَيْشٍ وَكُفَّارِ
الْعَرَبِ مِنَ الْبَأْسِ يَوْمَ
بَدْرٍ وَعَامَ الْفَتْحِ، وَبِشَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ [بِذَلِكَ] وَمَا مَنَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ النَّعِيمِ الدَّائِمِ، وَإِنْذَارِ الْقَائِلِينَ بِالْوَلَدِ مِنَ النَّصَارَى وَعَظِيمِ مُرْتَكَبِهِمْ وَشَنَاعَةِ قَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا وَتَسْلِيَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ جَمِيعِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ وَالْتَحَمَتِ الْآيُ أَعْظَمَ الْتِحَامٍ، وَأَحْسَنَ الْتِئَامٍ، إِلَى ذِكْرِ مَا سَأَلَ عَنْهُ الْكُفَّارُ مِنْ أَمْرِ الْفِتْيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ثُمَّ بَسَطَتِ الْآيُ قِصَّتَهُمْ، وَأَوْضَحَتْ أَمْرَهُمْ، وَاسْتَوْفَتْ خَبَرَهُمْ; ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَمْرَ
ذِي الْقَرْنَيْنِ وَطَوَافَهُ وَانْتِهَاءَ أَمْرِهِ، فَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=83وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ -الْآيَاتِ، وَقَدْ فُصِلَتْ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ بِمَوَاعِظَ وَآيَاتٍ مُسْتَجِدَّةٍ عَلَى أَتَمِّ ارْتِبَاطٍ، وَأَجَلِّ اتِّسَاقٍ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا قِصَّةُ الرَّجُلَيْنِ وَجَنَّتَيْ أَحَدِهِمَا وَحُسْنِ الْجَنَّتَيْنِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَكُفْرِ صَاحِبِهِمَا وَاغْتِرَارِهِ، وَهُمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَهُمَا قِصَّةٌ، وَقَدْ أَفْصَحَتْ هَذِهِ الْآيُ مِنْهَا بِاغْتِرَارِ أَحَدِهِمَا بِمَا لَدَيْهِ وَرُكُونِهِ إِلَى تَوَهُّمِ الْبَقَاءِ، وَتَعْوِيلِ صَاحِبِهِ عَلَى مَا عِنْدَ رَبِّهِ وَرُجُوعِهِ إِلَيْهِ وَانْتِهَاءِ أَمْرِهِ - بَعْدَ الْمُحَاوَرَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْآيَاتِ بَيْنَهُمَا - إِلَى إِزَالَةِ مَا تَخَيَّلَ الْمَفْتُونُ بَقَاءَهُ، وَرَجْعِ ذَلِكَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ إِلَّا النَّدَمُ، وَلَا صَحَّ لَهُ مِنْ جَنَّتِهِ بَعْدَ عَظِيمِ تِلْكَ الْبَهْجَةِ سِوَى التَّلَاشِي وَالْعَدَمِ، وَهَذِهِ حَالُ مَنْ رَكَنَ [إِلَى مَا] سِوَى الْمَالِكِ، وَمَنْ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا وَجْهَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَانٍ وَهَالِكٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=50فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [ ص: 11 ] ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِضَرْبِ مَثَلِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِمَنِ اعْتَبَرَ وَاسْتَبْصَرَ، وَعَقَّبَ تِلْكَ الْآيَاتِ بِقِصَّةِ
مُوسَى وَالْخَضِرِ عَلَيْهِمَا [السَّلَامُ] إِلَى تَمَامِهَا، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ مِنْ تَأْدِيبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَتَقْرِيعِهِمْ وَتَوْبِيخِ مُرْتَكَبِهِمْ فِي تَوَقُّفِهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ وَتَعْنِيفِهِمْ فِي تَوَهُّمِهِمْ عِنْدَ فَتْوَاهُمْ لِكُفَّارِ
قُرَيْشٍ بِسُؤَالِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْقِصَصِ [الثَّلَاثِ] أَنْ قَدْ حَازُوا الْعِلْمَ وَانْفَرَدُوا بِالْوُقُوفِ عَلَى مَا [لَا] يَعْلَمُهُ غَيْرُهُمْ، فَجَاءَ جَوَابُ
قُرَيْشٍ بِمَا يُرْغِمُ الْجَمِيعَ وَيَقْطَعُ دَابِرَهُمْ، وَفِي ذِكْرِ قِصَّةِ
مُوسَى وَالْخَضِرِ إِشَارَةٌ لَهُمْ لَوْ عَقَلُوا، وَتَحْرِيكٌ لِمَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُمُ السَّعَادَةُ، وَتَنْبِيهٌ لِكُلِّ مُوَفَّقٍ فِي تَسْلِيمِ الْإِحَاطَةِ لِمَنْ هُوَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ، وَبَعْدَ تَقْرِيعِهِمْ وَتَوْبِيخِهِمْ بِمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ عَادَ الْكَلَامُ إِلَى بَقِيَّةِ سُؤَالِهِمْ فَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=83وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ، وَلَيْسَ بَسْطُ هَذِهِ الْقِصَصِ مِنْ مَقْصُودِنَا وَقَدْ حَصَلَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا السُّؤَالُ عَنْ وَجْهِ انْفِصَالِ جَوَابِهِمْ وَوُقُوعِهِ فِي السُّورَتَيْنِ مَعَ أَنَّ السُّؤَالَ وَاحِدٌ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ شَرْطِنَا فَلْنَنْسَأْهُ بِحَوْلِ اللَّهِ إِلَى مَوْضِعِهِ إِنْ قَدَّرَ بِهِ - انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ مِنَ الْجَوَابِ [عَنْ هَذَا أَنَّ] الرُّوحَ ضُمَّتْ إِلَيْهَا، لِأَنَّهُ مِنْ سِرِّ الْمَلَكُوتِ كَالْإِسْرَاءِ، وَبَقِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَجْمَلَ سُبْحَانَهُ أَمْرَهَا لِمَا ذَكَرَ مِنْ عَظِيمِ السِّرِّ، وَعِيبَ عَلَيْهِمُ اشْتِغَالُهُمْ بِالسُّؤَالِ وَتَرْكِ مَا هُوَ مِنْ عَالَمِهَا، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ مَا بَرَزَ إِلَى الْوُجُودِ مِنْ ذَلِكَ الْعَالَمِ مِنَ الرُّوحِ
[ ص: 12 ] الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي بِهِ صَلَاحُ الْوُجُودِ كُلِّهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، وَعَظَّمَ أَمْرَهُ بِمَا ذَكَرَ فِي الْإِسْرَاءِ إِلَى أَنِ اقْتَضَى [الْحَالُ] فِي إِنْهَاءِ عَظَمَتِهِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى إِصْلَاحِ الْوُجُودِ بِهِ بِمَا حَرَّرَهُ وَفَصَّلَهُ وَقَرَّرَهُ مِنْ أَمْرِ السُّؤَالَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ ظَاهِرِ الْمُلْكِ فِيمَا ضُمَّ إِلَيْهِمَا مِمَّا تَمَّ بِهِ الْأَمْرُ، وَاتَّضَحَ بِهِ [مَا لَهُ] مِنْ جَلِيلِ الْقَدْرِ، كَانَ الْأَكْمَلُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا انْتَظَمَ بِهِ ذَلِكَ سُورَةً عَلَى حِدَتِهَا، وَلَمَّا كَانَ أَمْرُ أَهْلِ الْكَهْفِ مِنْ حِفْظِ الرُّوحِ فِي الْجَسَدِ عَلَى مَا لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ ثُمَّ إِفَاضَتِهَا، قَدَّمَ الْجَوَابَ عَنِ السُّؤَالِ عَنْهُمْ لِيَلِيَ أَمْرَ الرُّوحِ، وَخَتَمَ
بِذِي الْقَرْنَيْنِ لِإِحَاطَةِ أَمْرِهِ بِمَا طَافَ مِنَ الْأَرْضِ، وَلِمَا جَعَلَ مِنَ السَّدِّ عَلَمًا عَلَى انْقِضَاءِ شَأْنِ هَذِهِ الدَّارِ وَخِتَامِ أَمْرِهَا، وَطَيِّ مَا بَرَزَ مِنْ نَشْرِهَا- وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.