الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وإذا شهدت الأربعة بالزنا بين يدي القاضي ينبغي له أن يسألهم عن الزنا ما هو ؟ وكيف هو ؟ ومتى زنى ؟ وأين زنى ؟ لأنهم شهدوا بلفظ محتمل فلا بد من أن يستفسرهم ، أما السؤال عن ماهية الزنا ; لأن من الناس من يعتقد في كل وطء حرام أنه زنى ولأن الشرع سمى الفعل فيما دون الفرج زنى قال { العينان تزنيان وزناهما النظر واليدان تزنيان وزناهما البطش والرجلان تزنيان وزناهما المشي والفرج يصدق ذلك كله أو يكذب } والحد لا يجب إلا بالجماع في الفرج ، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استفسر ماعزا حتى فسر كالميل في المكحلة والرشا في البئر ؟ وقال له مع ذلك : لعلك قبلتها ، لعلك مسستها حتى إذا ذكر الكاف والنون قبل إقراره

. والزنا لغة : مأخوذ من الزنا وهو الضيق ولا يكون ذلك إلا بالجماع في الفرج

فلهذا سألهم عن ماهية الزنا وكيفيته ، وأما السؤال عن الوقت لجواز أن يكون العهد متقادما فإن حد الزنا بحجة البينة لا يقام بعد تقادم العهد عندنا والسؤال عن المكان لتوهم أن يكون فعل ذلك في دار الحرب حيث لم يكن تحت ولاية الإمام والسؤال عن المزني بها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ماعزا عن ذلك بقوله الآن أقررت أربعة فبمن زنيت ولأن من الجائز أن يكون له نكاح أو شبهة نكاح في المفعول بها وذلك غير معلوم للشهود فإذا فسروا تبين ذلك للقاضي والحاصل أن القاضي مندوب إلى الاحتيال لدرء الحد كما قال صلى الله عليه وسلم { ادرءوا الحدود بالشبهات } ولقن المقر الرجوع بقوله أسرق ما إخاله سرق وقال عمر رضي الله عنه : اطردوا المعترفين يعني الذين يقرون على أنفسهم بالسبب الموجب للحد ومن أسباب احتيال الدرء أن يستقصي مع الشهود ولأن المتعلق بهذه الشهادة ما إذا وقع فيه الغلط لا يمكن تداركه فيستقضي للتحرز عن ذلك فإذا بينوا ذلك والقاضي لا يعرف عدالة الشهود فإنه يحبسه حتى يسأل عن الشهود وهذا ; لأنه لو خلى سبيله هرب فلا يظفر به بعد ذلك ولا وجه إلى أخذ الكفيل منه ; لأن أخذ الكفيل نوع احتياط فلا يكون مشروعا فيما بني على الدرء .

( فإن قيل ) الاحتياط في الحبس أظهر ( قلنا ) حبسه ليس بطريق الاحتياط بل بطريق التعزير ; لأنه صار متهما بارتكاب الفاحشة [ ص: 39 ] فيحبسه تعزيرا ولهذا لا يحبسه في الديون قبل ظهور عدالة الشهود ولأن الحبس أقصى العقوبة هناك فإنه بعد ما ثبت الحق لا يعاقبه إلا بالحبس فلا يجوز أن يفعله قبل ثبوت الحق بخلاف الحدود فإذا ظهرت عدالة الشهود نظر في أمر الرجل فإن كان محصنا رجمه وإن كان غير محصن جلده والإحصان الذي يتعلق به الرجم له شرائط فالمتقدمون يقولون شرائطه سبعة : العقل والبلوغ والحرية والنكاح الصحيح والدخول بالنكاح وأن يكون كل واحد من الزوجين مثل الآخر في صفة الإحصان والإسلام والأصح أن نقول شرط الإحصان على الخصوص اثنان الإسلام والدخول بالنكاح الصحيح بامرأة هي مثله ، فأما العقل والبلوغ فهما شرط الأهلية للعقوبة لا شرط الإحصان على الخصوص ; لأن غير المخاطب لا يكون أهلا لالتزام شيء من العقوبات والحرية شرط تكميل العقوبة لا أن تكون شرط الإحصان على الخصوص فأما الدخول شرط ثبت بقوله صلى الله عليه وسلم { الثيب بالثيب } والثيوبة لا تكون إلا بالدخول وشرطنا أن يكون ذلك بالنكاح الصحيح ; لأن الثيوبة على ما عليه أصل حال الآدمي من الحرية لا يتصور بسبب مشروع سوى النكاح الصحيح وكان المقصود به تغليظ الجريمة ; لأن الرجم أفحش العقوبات فيستدعي أغلظ الجنايات في الإقدام على الزنا بعد إصابة الحلال يكون أغلظ ولهذا لا تشترط العفة عن الزنا في هذا الإحصان بخلاف إحصان القذف ; لأن الزنا بعد الزنا أغلظ في الجريمة من الزنا بعد العفة .

فأما الإسلام شرط في قول علمائنا وعن أبي يوسف رحمه الله أنه ليس بشرط وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى { لحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهما رجم يهوديين زنيا } وزاد في بعض الروايات وقد أحصنا ، والمعنى فيه أن هذه عقوبة يعتقد الكافر حرمة سببها فيقام عليه كما يقام على المسلم كالجلد والقطع والقتل في القصاص بخلاف حد الشرب فإنه لا يعتقد حرمة سببه وتأثيره ما بينا أن ما اشترط في الإحصان إنما يشترط لمعنى تغلظ الجريمة ، وغلظ الجريمة باعتبار الدين من حيث اعتقاد الحرمة فإذا كان هو في دينه معتقدا للحرمة كالمسلم فقد حصل ما هو المقصود فكان به محصنا ، فإن المحصن من يكون في حصن ومنع من الزنا وهو باعتقاده ممنوع من الزنا ، وقد أنذر عليه بالعقوبة في دينه فكان محصنا ثم لا يجوز اشتراط الإسلام لمعنى الفضيلة والكرامة والنعمة كما لا يشترط سائر الفضائل من العلم والشرف ولا يجوز اشتراط الإسلام لمعنى التغليظ ; لأن الكفر أليق بهذا من الإسلام فالإسلام [ ص: 40 ] للتخفيف والعصمة والكفر من دواعي التغليظ فإذا كان تقام هذه العقوبة على المسلم بارتكاب هذه الفاحشة فعلى الكافر أولى .

( وحجتنا ) قوله صلى الله عليه وسلم { من أشرك بالله فليس بمحصن } معناه ليس بكامل الحال فإن المحصن من هو كامل الحال ، والرجم لا يقام إلا على من هو كامل الحال والاعتماد في المسألة على الاستدلال بالثيوبة فإن الثيوبة بالنكاح الصحيح شرط لإيجاب الرجم ومعلوم أن المقصود انكسار شهوته بإصابة الحلال وهذا المقصود يتم بالإصابة بملك اليمين كما يتم بالنكاح ، ثم شرط أن يكون بالنكاح فما كان ذلك إلا لاعتبار معنى النعمة ويتبين بهذا أن ما يشترط لإقامة الرجم يشترط بطريق هو نعمة فكذلك اعتقاد الحرمة يشترط بطريق هو نعمة وذلك بالإسلام بل أولى ; لأن أصل النعمة في الوطء بملك اليمين موجود إنما انعدم نهايتها ، وأصل النعمة منعدم هنا فيما يعتقده الكافر وتأثيره أن الجريمة كما تتغلظ باجتماع الموانع تتغلظ باجتماع النعم ولهذا هدد الله تعالى نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن وبضعف ما هدد به غيرهن بقوله تعالى { يضاعف لها العذاب ضعفين } لزيادة النعمة عليهن وعوتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على الزلات بما لم يؤاخذ به غيرهم لزيادة النعمة عليهم ، والحر يقام عليه الحد الكامل ولا يقام على العبد لزيادة نعمة الحرية في حق الحر ، فبدن العبد أكثر احتمالا للحد من بدن الحر فعرفنا أن بزيادة النعمة يزداد تغليظ الجريمة ; لما في ارتكاب الفاحشة من كفران النعمة ، فأما سائر الفضائل إنما لا تشترط ; لأن شرط الحد بالرأي لا يمكن إثباته ونحن قلنا ما يكون شرطا بالاتفاق لا ينبغي أن يشترط بطريق هو نعمة استدلالا بالثيوبة ، فأما ما لم يعرف شرطا لو أثبتناه لأثبتناه بالرأي ابتداء مع أنه إنما يشترط في الإحصان ما ينطلق عليه اسم الإحصان وسائر الفضائل لا ينطلق عليه اسم الإحصان ، وأما الإسلام فيطلق عليه اسم الإحصان في قوله تعالى { والذين يرمون المحصنات } وقال تعالى { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة } فأما العفة ، وإن كان يطلق عليه اسم الإحصان ولكن العفة انزجار عن الزنا ، والانزجار عن الزنا مع الإقدام على الزنا لا يتحقق فلا يمكن اشتراط العفة مقترنا بالزنا ولا سابقا على الزنا ; لأنه لا تتغلظ به الجريمة كما بينا ، فإن الإصرار على الزنا أفحش في الجريمة مع أن العفة الوقوف على حدود الدين ، فإذا شرطنا أصل الدين بطريق هو نعمة فقد حصل ما هو المقصود .

فأما الحديث فإنما رجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم التوراة ، ألا ترى أنه دعا بالتوراة [ ص: 41 ] وبابن صوريا الأعور وناشده بالله حتى اعترف بأن حكم الزنا في كتابهم الرجم فرجمهما ، وقال : أنا أحق من أحيا سنة أماتوها ، وإحياء سنة أميتت إنما يكون بالعمل بها فدل أنه إنما رجمهما بحكم التوراة ، ولم يكن الإحصان شرطا في الرجم بحكم التوراة ، وقوله وقد أحصنا شاذ ولو ثبت فمراده الإحصان من حيث الحرية كما في قوله تعالى { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } وأما اشتراط إحصان كل واحد منهما في الآخر فهو مذهبنا ، وفي رواية عن أبي يوسف وهو قول الشافعي رحمهما الله تعالى ليس بشرط ، حتى إن المملوكين إذا كان بينهما وطء بنكاح صحيح في حالة الرق ثم عتقا لا يكونا محصنين عندنا ، وكذلك الكافران ، وفي رواية أبي يوسف رحمه الله تعالى هما محصنان .

وكذلك الحر إذا تزوج أمة أو صغيرة أو مجنونة ودخل بها ، وكذلك المسلم إذا تزوج كتابية ودخل بها أو أسلمت المرأة قبل أن يدخل بها الزوج الكافر فدخل بها قبل أن يفرق بينهما فإنها لا تكون محصنة بهذا الدخول عندنا وعلى قول أبي يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى يثبت الإحصان ; لأن ما هو المقصود قد تم وهو انكسار الشهوة بإصابة الحلال وأن يكون بطريق هو نهاية في النعمة ولكنا نستدل بما روي { أن كعب بن مالك أراد أن يتزوج بيهودية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم دعها فإنها لا تحصنك } ، وأن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أراد أن يتزوج يهودية فقال له عمر رضي الله عنه : دعها فإنها لا تحصنك { وقال صلى الله عليه وسلم لا تحصن المسلم اليهودية ولا النصرانية ، ولا الحرة العبد ولا الحر الأمة } وفيه معنيان : أحدهما ، أن الزوجية تنبيء عن المساواة فذلك المفهوم من قولهم زوج نعل زوج خف ، وقد صارت الزوجية هنا شرطا فتشترط المساواة بينهما في الصفة ; لأن تمام الزوجية يكون به ثم بسبب الرق ينتقص ملك الحل ، وقد بينا ذلك في كتاب الطلاق فلا بد من اعتبار حرية كل واحد منهما لتكون الثيوبة بعد كمال ملك الحل ، وإذا ثبت اشتراط الحرية يثبت اشتراط البلوغ والعقل فيها بطريق الأولى ; لأن بسبب الصغر يدخل في هذا الفعل نقصان فإن تمام ميل طبع المرء إلى البالغة العاقلة .

وكذلك يشترط الإسلام ; لأن الكافرة في حق المسلم ناقصة الحال لا يتم سكونه إليها ، وقد بينا أن الرجم أقصى العقوبات ، وفي شرائطه يعتبر النهاية أيضا احتيالا لدرء هذه العقوبة ، فإن أقر الزاني بأنه محصن فإقراره عليه حجة تامة ; لأنه غير متهم فيما يقر به على نفسه ولكنه يستفسره الإمام ; لأن الإحصان لفظ مبهم وهو يطلق على أشياء يسمى به كل واحد منها ، وإن قال لست بمحصن فشهد عليه [ ص: 42 ] شاهدان أنه محصن استفسرهما عن الإحصان ما هو وكيف هو فإذا بينا ذلك رجمه إن كان الشاهد بالإحصان رجلين ، ولا يشترط في الإحصان عدد الأربعة ; لأنه ليس بسبب موجب للعقوبة .

( قال ) وكذلك لو شهد رجل وامرأتان بالإحصان وعلى قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لا يثبت الإحصان بشهادة رجل وامرأتين ، أما الكلام مع الشافعي رحمه الله تعالى ينبني على ما بينا في النكاح أن النكاح في غير هذه الحالة عنده لا يثبت بشهادة الرجل مع النساء ; لأنه ليس بمال ولا من حقوق ما هو مال ، وإنما يتحقق الكلام هنا بيننا وبين زفر فحجته رحمه الله تعالى أن المقصود بالإحصان هنا تكميل العقوبة وباعتبار ما هو المقصود لا يكون للنساء فيه شهادة ; لأن المكمل للعقوبة بمنزلة الموجب لأصل العقوبة به فكما لا يثبت أصل العقوبة بشهادة النساء .

فكذلك تكميلها ، ألا ترى أن هذا الزاني لو كان عبدا مسلما لذمي فشهد ذميان أن مولاه كان أعتقه قبل الزنا وقد استجمع سائر شرائط الإحصان لا تقبل شهادتهما ، ومعلوم أن في غير هذه الحالة شهادة أهل الذمة على العتق على الذمي مقبولة ، ولكن لما كان المقصود هنا تكميل العقوبة على المسلم نظرنا إلى المقصود دون المشهود به .

يوضح ما قلنا أن الإحصان شرط والحكم يضاف إلى الشرط وجودا عنده كما يضاف إلى السبب ثبوتا به فكما لا يثبت سبب العقوبة بشهادة النساء فكذلك شرطها .

( وحجتنا ) فيه أن الإحصان ليس بسبب موجب للعقوبة فيثبت بشهادة الرجال مع النساء كسائر الحقوق ، وهذا لا إشكال فيه فإن الإحصان عبارة عن خصال حميدة بعضها مأمور به وبعضها مندوب إليه فيستحيل أن يكون سببا لإيجاب العقوبة ولا هو شرط أيضا ; لأن الشرط ما يتوقف الحكم على وجوده بعد السبب ولا يتوقف وجوب الرجم على وجود الإحصان بعد الزنا فإنه وإن صار محصنا بعد الزنا لم يرجم ولكنه عبارة عن حال في الزاني يصير الزنا في تلك الحالة موجبا للرجم ، والحكم غير مضاف إلى الحال ثبوتا به ولا وجودا عنده ، فعرفنا أن الشهادة بالنكاح في هذه الحال وفي غير هذه الحالة سواء .

وأما شهادة أهل الذمة فنقول : العتق هناك يثبت وإنما لا يثبت سبق التاريخ ; لأن هذا تاريخ ينكره المسلم وما ينكره المسلم لا يثبت بشهادة أهل الذمة ولأن المسلم يتضرر بهذه الشهادة من حيث إقامة العقوبة الكاملة عليه ، ولا يجوز أن يتضرر المسلم بشهادة الكفار ، وتحقيقه أن شهادة أهل الذمة دخلها الخصوص في المشهود عليه لا في المشهود به فإن شهادتهم على المسلمين غير مقبولة وعلى أهل الذمة مقبولة في الحدود وغيرها فإذا كان الخصوص في [ ص: 43 ] المشهود عليه ينظر إلى من يقام عليه الحكم بعد شهادتهم والذي يقام هنا الحد الكامل على المسلم فلا تقبل شهادتهما فيه ، فأما شهادة الرجال مع النساء دخلها الخصوص في المشهود به لا في المشهود عليه فإنما يمتنع قبولها إذا كان المشهود به سبب العقوبة أو شرطا مؤثرا في العقوبة ، وقد بينا أن ذلك غير موجود في الإحصان فلهذا قبلت شهادة النساء مع الرجال هنا .

( قال ) فإن قال شهود الإحصان حين استفسرهم القاضي : إنه تزوج امرأة فجامعها أو باضعها فذلك كاف ; لأن مطلق الجماع يتناول الجماع في الفرج خاصة ، ولهذا ما تعلق بالجماع من الأحكام شرعا إنما يتعلق بالجماع في الفرج ، والمباضعة مفاعلة من إدخال البضع في البضع فأما إذا قالوا دخل بها فذلك يكفي لثبوت الإحصان في قول أبي حنيفة ولا يكفي في قول محمد رحمهما الله تعالى ولم يذكر قول أبي يوسف وهو كقول أبي حنيفة رحمهما الله تعالى محمد رحمه الله يقول : الدخول مشترك قد يراد به الوطء وقد يراد به الملاقاة .

وكل لفظ مشترك أو مبهم يذكر الشهود فعلى القاضي أن يستفسرهم ليكون إقدامه على الأمر عن بصيرة ، ألا ترى أنهم لو قالوا : أتاها أو قربها لا يكتفى بذلك ؟ وأبو حنيفة رحمه الله قال : إنهم ذكروا الدخول مضافا إليها والدخول مضافا إلى النساء بحرف الباء يراد به الجماع ، قال الله تعالى { من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } وإذا قيل : فلان دخل بامرأته لا يفهم منه إلا الجماع ، والاسم مشترك بدون الصلة ، وأما مع هذه الصلة والإضافة فلا وهو كاسم الوطء فقد يراد به الوطء بالقدم ، ثم إذا قالوا : وطئها كان ذلك كافيا لثبوت الإحصان فهذا مثله ، ولكن محمد رحمه الله تعالى يقول : قد يقال : دخل بها والمراد مر بها أي خلى بها إلا أن ذلك نوع مجاز والمجاز لا يعارض الحقيقة .

( قال ) وإن شهدوا على التزويج فقط غير أن له منها ولدا فهو إحصان ، ولا يكون الإحصان بشيء أبين من هذا ; لأنا لما حكمنا بثبوت النسب منه فقد حكمنا بالدخول بها وذلك أقوى من شهادة الشهود على أنه جامعها ، ولأن الذي يقع به العلم بالدخول بها إذا كان بينهما أولاد فوق ما يقع بشهادة الشاهدين .

( قال ) ولا يكون محصنا بالخلوة الموجبة للمهر والعدة ; لأن المقصود انكسار الشهوة بإصابة الحلال لاستغنائه عن الحرام ، وذلك لا يحصل بالخلوة وإنما تجعل الخلوة تسليما للمستحق بالعقد في حكم المهر والعدة ، ألا ترى أن سائر الأحكام المتعلقة بالوطء لا يثبت شيء منها بالخلوة ؟ فكذلك الإحصان

التالي السابق


الخدمات العلمية