الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا شهد الشهود على رجل وامرأة بالزنا فادعت المرأة أنه أكرهها ولم يشهد الشهود بذلك ولكنهم شهدوا أنها طاوعته فعليهما الحد ; لأن إنكارها صفة الطواعية لا يكون فوق إنكارها أصل الفعل ولا ينفعها ذلك بعد ما شهد الشهود به عليها ولكن إن قالت : تزوجني ، وقال الرجل : كذبت بل زنيت بها فلا حد على واحد منهما ; لأنها تدعي عليه الصداق ولو ساعدها الزوج على ذلك لزمه الصداق فإذا أنكر كان لها أن تحلفه عليه فإذا نكل لزمه الصداق وإن حلف لم يلزمه الصداق ولا يحد واحد منهما ; لأنه لو أقيم الحد إنما يقام بالحلف والحدود لا تقام بالأيمان بخلاف الأول فإنها بدعوي الإكراه لا تدعي الصداق ; لأن الزنا بالمكرهة لا يوجب الصداق لها والشافعي رحمه الله يخالفنا في الفصلين فيقول بمجرد دعواهما أو دعوى أحدهما النكاح لا يسقط الحد لقوله صلى الله عليه وسلم { لو أعطي الناس بدعواهم } وهذا ; لأن كل زان لا يعجز عن دعوي نكاح صحيح أو فاسد فلو أسقطنا الحد بمجرد الدعوى لانسد باب إقامة الحد ولكنا نقول كما أمرنا بإقامة الحدود فقد أمرنا بدرئها بالشبهة قال صلى الله عليه وسلم { ادرءوا الحدود بالشبهات } وتتمكن الشبهة عند دعوى أحدهما النكاح لاحتمال أن يكون صادقا ، ألا ترى أنه تسمع بينته على ذلك ويستحلف خصمه على قول من يرى الاستحلاف في النكاح فإذا سقط الحد يسقط عن الآخر للشركة ولا يؤدي هذا إلى سد باب الحد ، ألا ترى أن هذا الحد يقام بالإقرار ثم لو رجع المقر عن إقراره لا يقام عليه ولا يؤدي ذلك إلى سد باب إقامة [ ص: 53 ] الحد في الإقرار .

فأما إذا زنى بمكرهة يلزمه الحد دون المهر عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجب المهر لها وهي نظير مسألة القطع والضمان أنهما لا يجتمعان عندنا على ما نبينه في السرقة إن شاء الله تعالى والشافعي رحمه الله تعالى يقول : هنا المستوفى بالوطء متقوم لحقها بدليل أنه متقوم بالعقد والشبهة فلا يجوز إسقاط حقها عنه بغير رضاها ، فإذا كانت مطاوعة فقد رضيت بسقوط حقها فيجب المهر لها ولكنا نقول فعله بالمكرهة زنى والواجب بالزنا الحد فلا يجوز الزيادة على ذلك بالرأي ، ثم لو كان بضعها يتقوم على الزاني لم يسقط ذلك برضاها ، ألا ترى أنه لما كان يتقوم بشبهة العقد لم يسقط برضاها بأن طاوعته والدليل عليه أنه لو زنى بأمة وهي مطاوعة لم يجب المهر وتقوم بضعها لحق المولى فلا يسقط برضاها ولكن إنما لم يجب ; لأن البضع لا يتقوم بالمال بالزنا المحض ، وإنما يتقوم بالعقد أو بشبهته ولم يوجد ثم إذا سقط الحد عنه بدعواها النكاح وجب الصداق لها ; لأن الوطء في غير الملك لا ينفك عن عقوبة أو غرامة فإذا جعل ما ادعت من النكاح كالثابت في إسقاط الحد ، فكذلك في إيجاب المهر يجعل كالثابت في إيراث الشبهة

التالي السابق


الخدمات العلمية