الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
وأما nindex.php?page=treesubj&link=16749_16750شرائط وجوب هذا الضمان فمنها أن يكون المتلف مالا ، فلا يجب الضمان بإتلاف الميتة والدم وجلد الميتة وغير ذلك مما ليس بمال ، وقد ذكرنا ذلك في كتب البيوع ومنها أن يكون متقوما ، فلا يجب الضمان بإتلاف الخمر والخنزير على المسلم سواء كان المتلف مسلما ، أو ذميا لسقوط تقوم الخمر والخنزير في حق المسلم ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=16750_17214_16763أتلف مسلم ، أو ذمي على ذمي خمرا ، أو خنزيرا يضمن عندنا خلافا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي رحمه الله ، والدلائل مرت في مسائل الغصب ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=16750_16763_17214أتلف ذمي على ذمي خمرا ، أو خنزيرا ، ثم أسلما ، أو أسلم أحدهما أما في الخنزير ، فلا يبرأ المتلف عن الضمان الذي لزمه سواء أسلم الطالب ، أو المطلوب ، أو أسلما جميعا ; لأن الواجب بإتلاف الخنزير القيمة وإنها دراهم ، أو دنانير والإسلام لا يمنع من قبض الدراهم والدنانير .
( وأما ) في الخمر فإن أسلما جميعا ، أو أسلم أحدهما وهو الطالب المتلف عليه برئت ذمة المطلوب وهو المتلف وسقطت عنه الخمر بالإجماع ، ولو أسلم المطلوب أولا ، ثم أسلم الطالب ، أو لم يسلم ففي قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف وهو روايته عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة يبرأ المطلوب من الخمر ولا يتحول إلى القيمة ، كما لو أسلم الطالب ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر وعافية بن زيد القاضي وهو روايتهم عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة لا يبرأ المطلوب ويتحول ما عليه من الخمر إلى القيمة ، كما لو كان الإتلاف بعد الإسلام أنه يضمن قيمتها للذمي ، فكذا إذا أتلف بعد الإسلام ، وقد ذكرنا المسألة في كتاب البيوع ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=16750_16805كسر على إنسان بربطا أو طبلا يضمن قيمته خشبا منحوتا عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله ، وذكر في المنتقى خشبا ألواحا .
وعندهما [ ص: 168 ] لا يضمن وجه قولهما أن هذا آلة اللهو والفساد ، فلم يكن متقوما كالخمر ، nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة رحمه الله أنه كما يصلح للهو والفساد يصلح للانتفاع به من وجه آخر ، فكان مالا متقوما من ذلك الوجه ، وكذلك لو nindex.php?page=treesubj&link=16749_16750أراق لإنسان مسكرا ، أو منصفا فهو على هذا الاختلاف والمسألة قد ذكرناها في كتاب البيوع ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=16749_16750_16763أحرق بابا منحوتا عليه تماثيل منقوشة ضمن قيمته غير منقوش بتماثيل ; لأنه لا قيمة لنقش التماثيل ; لأن نقشها محظور ، وإن كان صاحبه قطع رءوس التماثيل ضمن قيمته منقوشا ; لأنه لا يكون تمثالا بلا رأس ، ألا ترى أنه ليس بمحظور ، فكان النقش منقوشا ولو nindex.php?page=treesubj&link=16750_25469_16763أحرق بساطا فيه تماثيل رجال ضمن قيمته مصورا ; لأن التمثال على البساط ليس بمحظور ; لأن البساط يوطأ ، فكان النقش متقوما ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=16750_25469_16763هدم بيتا مصورا ضمن قيمة البيت ، والصور غير مضمونة ; لأن الصور على البيت لا قيمة لها ; لأنه محظور فأما الصبغ فمتقوم ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=16745_16750_25486_9280قتل جارية مغنية ضمن قيمتها غير مغنية ; لأن الغناء لا قيمة له ; لأنه محظور ، هذا إذا كان الغناء زيادة في الجارية فأما إذا كان نقصانا فيها فإنه يضمن قدر قيمتها ، وعلى هذا تخرج المباحات التي ليست بمملوكة لأحد ; لأنها غير مضمونة بالإتلاف لعدم تقومها إذ التقوم يبنى على العزة والحظر ولا يتحقق ذلك ، إلا بالإحراز والاستيلاء .
( وأما ) المباح المملوك وهو مال الحربي ، فلا يجب الضمان بإتلافه أيضا ، وإن كان متقوما لفقد شرط آخر نذكره إن شاء الله تعالى ، وإن شئت قلت ومنها أن يكون مملوكا ، فلا يجب الضمان بإتلاف المباحات التي لا يملكها أحد ، والتخريج على شرط التقوم أصح ; لأن كون الشيء مملوكا في نفسه ليس بشرط لوجوب الضمان ، فإن الموقوف مضمون بالإتلاف وليس بمملوك أصلا ، أرض بين شريكين زرعها أحدهما وتراضيا على أن يعطي الذي لم يزرع نصف البذر ، ويكون الخارج بينهما فهذا لا يخلو ( إما ) أن كان الزرع نبت ( وإما ) أن كان لم ينبت ، فإن كان قد نبت جاز ; لأن هذا بيع الحشيش بالحنطة وأنه جائز .
وإن كان لم ينبت لم يجز ; لأنه لا يدري ما بقي تحت الأرض مما تلف مع أن ذلك ليس بمال متقوم ، فلا يجوز بيعه فإن نبت الزرع وطلب الذي لم يزرع القسمة قسم ، وأمر الذي زرع أن يقلع ما في نصيب الشريك ; لأن نصيبه مشغول بملكه فيجبر على تفريغه وتضمينه نقصان الزراعة ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
( ومنها ) nindex.php?page=treesubj&link=16753أن يكون المتلف من أهل وجوب الضمان عليه ، حتى لو nindex.php?page=treesubj&link=16787أتلفت مال إنسان بهيمة لا ضمان على مالكها ; لأن فعل العجماء جبار ، فكان هدرا ولا إتلاف من مالكها ، فلا يجب الضمان عليه ومنها أن يكون في الوجوب فائدة ، فلا ضمان على المسلم بإتلاف مال الحربي ولا على الحربي بإتلاف مال المسلم في دار الحرب ، وكذا لا ضمان على nindex.php?page=treesubj&link=9584العادل إذا أتلف مال الباغي ، ولا على nindex.php?page=treesubj&link=16804_9597_9594الباغي إذا أتلف مال العادل ; لأنه لا فائدة في الوجوب لعدم إمكان الوصول إلى الضمان لانعدام الولاية ، فأما العصمة فليست بشرط لوجوب ضمان المال ، إلا أن الصبي مأخوذ بضمان الإتلاف ، وإن لم تثبت عصمة المتلف في حقه ، وكذا يجب الضمان بتناول مال الغير حال المخمصة مع إباحة التناول ، وكذا كسر آلات الملاهي مباح وهي مضمونة بالإتلاف عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله ، ولا يلزم إذا nindex.php?page=treesubj&link=27197أتلف مال إنسان بإذنه أنه لا يجب الضمان ; لأن عدم الوجوب ليس لعدم العصمة بل لعدم الفائدة ; لأنه لو وجب الضمان عليه لكان له أن يرجع عليه بما ضمن ، فلا يفيد والله عز شأنه أعلم .
nindex.php?page=treesubj&link=16751_16755_16763وكذلك العلم بكون المتلف مال الغير ليس بشرط لوجوب الضمان ، حتى لو أتلف مالا على ظن أنه ملكه ثم تبين أنه ملك غيره ضمن ; لأن الإتلاف أمر حقيقي لا يتوقف وجوده على العلم كما في الغصب على ما مر ، إلا أنه إذا علم بذلك يضمن ويأثم ، وإذا لم يعلم يضمن ولا يأثم ; لأن الخطأ مرفوع المؤاخذة شرعا لما ذكرنا في مسائل الغصب ، والله سبحانه وتعالى أعلم .