الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            النوع الثاني من الدلائل : قوله تعالى : ( وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قال صاحب " الكشاف " قوله : وجعلنا لا يخلو إما أن يتعدى إلى واحد أو اثنين ، فإن تعدى إلى واحد فالمعنى خلقنا من الماء كل حيوان كقوله : ( والله خلق كل دابة من ماء ) [النور : 45] أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه كقوله : ( خلق الإنسان من عجل ) [الأنبياء : 37] وإن تعدى إلى اثنين فالمعنى صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء لا بد له منه ومن هذا نحو من في قوله عليه السلام : " ما أنا من دد ولا الدد مني " وقرئ حيا وهو المفعول الثاني .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : لقائل أن يقول كيف قال : وخلقنا من الماء كل حيوان ، وقد قال : ( والجان خلقناه من قبل من نار السموم ) [الحجر : 27] وجاء في الأخبار أن الله تعالى خلق الملائكة من النور وقال تعالى في حق عيسى عليه السلام : ( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني ) [المائدة : 110] وقال في حق آدم : ( خلقه من تراب ) [آل عمران : 59] والجواب : اللفظ وإن كان عاما إلا أن القرينة المخصصة قائمة ، فإن الدليل لا بد وأن يكون مشاهدا محسوسا ليكون أقرب إلى المقصود ، وبهذا الطريق تخرج عنه الملائكة والجن وآدم وقصة عيسى عليهم السلام ، لأن الكفار لم يروا شيئا من ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : اختلف المفسرون فقال بعضهم : المراد من قوله : ( كل شيء حي ) الحيوان فقط ، وقال آخرون : بل يدخل فيه النبات والشجر لأنه من الماء صار ناميا وصار فيه الرطوبة والخضرة والنور والثمر ، وهذا [ ص: 142 ] القول أليق بالمعنى المقصود ، كأنه تعالى قال : ففتقنا السماء لإنزال المطر وجعلنا منه كل شيء في الأرض من النبات وغيره حيا . حجة القول الأول أن النبات لا يسمى حيا ، قلنا : لا نسلم والدليل عليه قوله تعالى : ( كيف يحيي الأرض بعد موتها ) [الروم : 50] أما قوله تعالى : ( أفلا يؤمنون ) [الأنبياء : 30] فالمراد أفلا يؤمنون بأن يتدبروا هذه الأدلة فيعلموا بها الخالق الذي لا يشبه غيره ويتركوا طريقة الشرك .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية