الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار .

[2] هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب هم بنو النضير، وكانت قبيلة عظيمة من بني إسرائيل، موازنة في القدر والمنزلة لبني قريظة، وكان يقال للقبيلتين: الكاهنان؛ لأنهما من ولد الكاهن ابن هارون.

من ديارهم وكانت أرضهم وحصونهم قريبة من المدينة بقرية يقال لها: زهرة، ولهم نخل وأموال عظيمة.

لأول الحشر أي: عند أول حشرهم إلى الشام، والحشر: الجمع [ ص: 7 ] والتوجيه إلى ناحية ما، قال ابن عباس: من شك أن المحشر بالشام، فليقرأ هذه الآية"، فكان أول حشر إلى الشام، قال النبي - صلى الله عليه وسلم: "اخرجوا"، قالوا: إلى أين؟ قال: "إلى أرض المحشر، ثم تحشر الخلق يوم القيامة إلى الشام، وقيل: معناه لأول الحشر؛ لأنهم كانوا أول من أجلي من أهل الكتاب من جزيرة العرب، ثم أجلى آخرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسميت جزيرة، لأنه أحاط بها بحر الحبشة، وبحر فارس، ودجلة، والفرات.

ما ظننتم أيها المؤمنون أن يخرجوا من المدينة؛ لعزهم وقوتهم وظنوا أي: بنو النضير.

أنهم مانعتهم حصونهم من الله أي: من بأس الله؛ لوثوقهم بحصانتها.

فأتاهم الله أي: أمره وعذابه من حيث لم يحتسبوا أي: يظنوا.

وقذف في قلوبهم الرعب الخوف بقتل سيدهم كعب بن الأشرف غيلة قبل ذلك، وتقدم ذكر قتله في سورة آل عمران. قرأ أبو جعفر، وابن عامر، والكسائي، ويعقوب: (الرعب) بضم العين، والباقون: بإسكانها.

يخربون بيوتهم يهدمونها. قرأ أبو عمرو: (يخربون) بفتح الخاء وتشديد الراء من خرب، وقرأ الباقون: بإسكان الخاء مخففا من أخرب، [ ص: 8 ] لغتان، وقرأ ابن كثير، وقالون، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف، وأبو بكر عن عاصم: (بيوتهم) بكسر الباء، والباقون: بضمها، ومعناهما واحد.

بأيديهم [كانوا يخربون بواطنها؛ لئلا يتحسروا على بقائها للمسلمين].

وأيدي المؤمنين كانوا يخربون باقيها.

فاعتبروا فاتعظوا بمصابهم يا أولي الأبصار ذوي العقول والبصائر.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية