الرابع عشر :
nindex.php?page=treesubj&link=18466الذهن وهو قوة النفس على اكتساب العلوم التي هي غير حاصلة ، وتحقيق القول فيه أنه سبحانه وتعالى خلق الروح خاليا عن تحقيق الأشياء ، وعن العلم بها كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ) لكنه سبحانه وتعالى إنما خلقها للطاعة على ما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [الذاريات : 56] والطاعة مشروطة بالعلم ، وقال في موضع آخر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14وأقم الصلاة لذكري ) [طه : 14] فبين أنه أمر بالطاعة لغرض العلم ، والعلم لا بد منه على كل حال فلا بد وأن تكون النفس متمكنة من تحصيل هذه المعارف والعلوم فأعطاه الحق سبحانه من الحواس ما أعان على تحصيل هذا الغرض ، فقال في السمع : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=10وهديناه النجدين ) [البلد : 10] وقال في البصر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) [فصلت : 53] وقال في الفكر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=21وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) [الذاريات : 21] فإذا تطابقت هذه القوى صار الروح الجاهل عالما وهو معنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرحمن nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2علم القرآن ) [الرحمن : 1 ، 2] فالحاصل أن استعداد النفس لتحصيل هذه المعارف هو الذهن .
الخامس عشر :
nindex.php?page=treesubj&link=19777الفكر وهو انتقال الروح من التصديقات الحاضرة إلى التصديقات المستحضرة ، قال بعض المحققين : إن الفكر يجري مجرى التضرع إلى الله تعالى في استنزال العلوم من عنده .
السادس عشر : الحدس : ولا شك أن الفكر لا يتم عمله إلا بوجدان شيء يتوسط بين طرفي المجهول لتصير النسبة المجهولة معلومة ، فإن النفس حال كونها جاهلة كأنها واقفة في ظلمة ولا بد لها من قائد يقودها وسائق يسوقها وذلك هو المتوسط بين الطرفين وله إلى كل واحد منهما نسبة خاصة فيتولد من نسبته إليهما مقدمتان فكل مجهول لا يحصل العلم به إلا بواسطة مقدمتين معلومتين ، والمقدمتان هما كالشاهدين فكما أنه
[ ص: 190 ] لا بد في الشرع من شاهدين فكذا لا بد في العقل من شاهدين وهما المقدمتان اللتان تنتجان المطلوب ، فاستعداد النفس لوجدان ذلك المتوسط هو الحدس .
السابع عشر : الذكاء وهو شدة الحدس وكماله وبلوغه الغاية القصوى وذلك لأن الذكاء هو المضاء في الأمر وسرعة القطع بالحق وأصله من ذكت النار وذكت الريح وشاة مذكاة أي مدرك ذبحها بحدة السكين .
الثامن عشر :
nindex.php?page=treesubj&link=22256الفطنة وهي عبارة عن التنبه لشيء قصد تعريضه ولذلك فإنه يستعمل في الأكثر في استنباط الأحاجي والرموز .
التاسع عشر : الخاطر وهو حركة النفس نحو تحصيل الدليل وفي الحقيقة ذلك المعلوم هو الخاطر بالبال والحاضر في النفس ، ولذلك يقال : هذا خطر ببالي إلا أن النفس لما كانت محلا لذلك المعنى الخاطر جعلت خاطرا ؛ إطلاقا لاسم الحال على المحل .
العشرون : الوهم وهو الاعتقاد المرجوح ، وقد يقال : إنه عبارة عن الحكم بأمور جزئية غير محسوسة لأشخاص جزئية جسمانية كحكم السخلة بصداقة الأم وعداوة المؤذي .
الحادي والعشرون : الظن وهو الاعتقاد الراجح ، ولما كان قبول الاعتقاد للقوة والضعف غير مضبوط فكذا مراتب الظن غير مضبوطة فلهذا قيل إنه عبارة عن ترجيح أحد طرفي المعتقد في القلب على الآخر مع تجويز الطرف الآخر ، ثم إن الظن المتناهي في القوة قد يطلق عليه اسم العلم فلا جرم قد يطلق أيضا على العلم اسم الظن كما قال بعض المفسرين في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) [البقرة : 46] قالوا : إنما أطلق لفظ الظن على العلم ههنا لوجهين :
أحدهما : التنبيه على أن علم أكثر الناس في الدنيا بالإضافة إلى علمه في الآخرة كالظن في جنب العلم .
والثاني : أن العلم الحقيقي في الدنيا لا يكاد يحصل إلا للنبيين والصديقين الذين ذكرهم الله تعالى في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ) [الحجرات : 15] واعلم أن الظن إن كان عن أمارة قوية قبل ومدح ، وعليه مدار أكثر أحوال هذا العلم ، وإن كان عن أمارة ضعيفة ذم كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=36إن الظن لا يغني من الحق شيئا ) [يونس : 36] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12إن بعض الظن إثم ) [الحجرات : 12] .
الثاني والعشرون : الخيال وهو عبارة من الصورة الباقية عن المحسوس بعد غيبته ، ومنه الطيف الوارد من صورة المحبوب خيالا ، والخيال قد يقال لتلك الصورة في المنام وفي اليقظة ، والطيف لا يقال إلا فيما كان في حال النوم .
الثالث والعشرون : البديهة وهي المعرفة الحاصلة ابتداء في النفس لا بسبب الفكر كعلمك بأن الواحد نصف الاثنين .
الرابع والعشرون :
nindex.php?page=treesubj&link=21871الأوليات وهي البديهيات بعينها والسبب في هذه التسمية أن الذهن يلحق محمول القضية بموضوعها أولا لا بتوسط شيء آخر ، فأما الذي يكون بتوسط شيء آخر ، فذاك المتوسط هو المحمول أولا .
الخامس والعشرون : الروية ، وهي ما كان من المعرفة بعد فكر كثير ، وهي من روى .
السادس والعشرون : الكياسة ، وهي تمكن النفس من استنباط ما هو أنفع ، ولهذا قال عليه الصلاة
[ ص: 191 ] والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011414الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، من حيث إنه لا خير يصل إليه الإنسان أفضل مما بعد الموت .
السابع والعشرون : الخبرة ، وهي معرفة يتوصل إليها بطريق التجربة ، يقال : خبرته ، قال
أبو الدرداء : وجدت الناس أخبر تقله ، وقيل : هو من قولهم : ناقة خبرة ، أي غزيرة اللبن ، فكان الخبر هو غزارة المعرفة ، ويجوز أن يكون قولهم : ناقة خبرة : هي المخبر عنها بغزارتها .
الثامن والعشرون :
nindex.php?page=treesubj&link=28329الرأي ، وهو إحاطة الخاطر في المقدمات التي يرجى منها إنتاج المطلوب ، وقد يقال للقضية المستنتجة من الرأي رأي ، والرأي للفكر كالآلة للصانع ، ولهذا قيل : إياك والرأي الفطير ، وقيل : دع الرأي تصب .
التاسع والعشرون :
nindex.php?page=treesubj&link=25970الفراسة وهي الاستدلال بالحق الظاهر على الخلق الباطن ، وقد نبه الله تعالى على صدق هذا الطريق بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=75إن في ذلك لآيات للمتوسمين ) [الحجر : 75] وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=273تعرفهم بسيماهم ) [البقرة : 273] وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=30ولتعرفنهم في لحن القول ) [محمد : 30] واشتقاقها من قولهم : فرس السبع الشاة ، فكأن الفراسة اختلاس المعارف ، وذلك ضربان : ضرب يحصل للإنسان عن خاطره ولا يعرف له سبب ، وذلك ضرب من الإلهام بل ضرب من الوحي ، وإياه عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011415إن في أمتي لمحدثين ، وإن عمر لمنهم " ويسمى ذلك أيضا النفث في الروع ، والضرب الثاني من الفراسة ما يكون بصناعة متعلمة وهي الاستدلال بالأشكال الظاهرة على الأخلاق الباطنة وقال أهل المعرفة في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=17أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ) [هود : 17] إن البينة هو القسم الأول وهو إشارة إلى صفاء جوهر الروح والشاهد هو القسم الثاني وهو الاستدلال بالأشكال على الأحوال .
المسألة التاسعة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=31وعلم آدم الأسماء كلها ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32لا علم لنا إلا ما علمتنا ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرحمن nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2علم القرآن ) [الرحمن : 1 ، 2] لا يقتضي
nindex.php?page=treesubj&link=28781_28716وصف الله تعالى بأنه معلم لأنه حصل في هذه اللفظة تعارف على وجه لا يجوز إطلاقه عليه وهو من يحترف بالتعليم والتلقين ، وكما لا يقال للمدرس معلم مطلقا حتى لو أوصى للمتعلمين لا يدخل فيه المدرس فكذا لا يقال لله إنه معلم إلا مع التقييد ، ولولا هذا التعارف لحسن إطلاقه عليه بل كان يجب أن لا يستعمل إلا فيه تعالى ؛ لأن المعلم هو الذي يحصل العلم في غيره ولا قدرة على ذلك لأحد إلا الله تعالى .
الرَّابِعَ عَشَرَ :
nindex.php?page=treesubj&link=18466الذِّهْنُ وَهُوَ قُوَّةُ النَّفْسِ عَلَى اكْتِسَابِ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ حَاصِلَةٍ ، وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الرُّوحَ خَالِيًا عَنْ تَحْقِيقِ الْأَشْيَاءِ ، وَعَنِ الْعِلْمِ بِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ) لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَهَا لِلطَّاعَةِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [الذَّارِيَاتِ : 56] وَالطَّاعَةُ مَشْرُوطَةٌ بِالْعِلْمِ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) [طه : 14] فَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمْرٌ بِالطَّاعَةِ لِغَرَضِ الْعِلْمِ ، وَالْعِلْمُ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ النَّفْسُ مُتَمَكِّنَةً مِنْ تَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ فَأَعْطَاهُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ مِنَ الْحَوَاسِّ مَا أَعَانَ عَلَى تَحْصِيلِ هَذَا الْغَرَضِ ، فَقَالَ فِي السَّمْعِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=10وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) [الْبَلَدِ : 10] وَقَالَ فِي الْبَصَرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ) [فُصِّلَتْ : 53] وَقَالَ فِي الْفِكْرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=21وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) [الذَّارِيَاتِ : 21] فَإِذَا تَطَابَقَتْ هَذِهِ الْقُوَى صَارَ الرُّوحُ الْجَاهِلُ عَالِمًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرَّحْمَنُ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2عَلَّمَ الْقُرْآنَ ) [الرَّحْمَنِ : 1 ، 2] فَالْحَاصِلُ أَنَّ اسْتِعْدَادَ النَّفْسِ لِتَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَعَارِفِ هُوَ الذِّهْنُ .
الْخَامِسَ عَشَرَ :
nindex.php?page=treesubj&link=19777الْفِكْرُ وَهُوَ انْتِقَالُ الرُّوحِ مِنَ التَّصْدِيقَاتِ الْحَاضِرَةِ إِلَى التَّصْدِيقَاتِ الْمُسْتَحْضَرَةِ ، قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ : إِنَّ الْفِكْرَ يَجْرِي مَجْرَى التَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي اسْتِنْزَالِ الْعُلُومِ مِنْ عِنْدِهِ .
السَّادِسَ عَشَرَ : الْحَدْسُ : وَلَا شَكَ أَنَّ الْفِكْرَ لَا يَتِمُّ عَمَلُهُ إِلَّا بِوِجْدَانِ شَيْءٍ يَتَوَسَّطُ بَيْنَ طَرَفَيِ الْمَجْهُولِ لِتَصِيرَ النِّسْبَةُ الْمَجْهُولَةُ مَعْلُومَةً ، فَإِنَّ النَّفْسَ حَالَ كَوْنِهَا جَاهِلَةً كَأَنَّهَا وَاقِفَةٌ فِي ظُلْمَةٍ وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ قَائِدٍ يَقُودُهَا وَسَائِقٍ يَسُوقُهَا وَذَلِكَ هُوَ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ وَلَهُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِسْبَةٌ خَاصَّةٌ فَيَتَوَلَّدُ مِنْ نِسْبَتِهِ إِلَيْهِمَا مُقَدِّمَتَانِ فَكُلُّ مَجْهُولٍ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهِ إِلَّا بِوَاسِطَةِ مُقَدِّمَتَيْنِ مَعْلُومَتَيْنِ ، وَالْمُقَدِّمَتَانِ هُمَا كَالشَّاهِدَيْنِ فَكَمَا أَنَّهُ
[ ص: 190 ] لَا بُدَّ فِي الشَّرْعِ مِنْ شَاهِدَيْنِ فَكَذَا لَا بُدَّ فِي الْعَقْلِ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَهُمَا الْمُقَدِّمَتَانِ اللَّتَانِ تُنْتِجَانِ الْمَطْلُوبَ ، فَاسْتِعْدَادُ النَّفْسِ لِوِجْدَانِ ذَلِكَ الْمُتَوَسِّطِ هُوَ الْحَدْسُ .
السَّابِعَ عَشَرَ : الذَّكَاءُ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَدْسِ وَكَمَالُهُ وَبُلُوغُهُ الْغَايَةَ الْقُصْوَى وَذَلِكَ لِأَنَّ الذَّكَاءَ هُوَ الْمُضَاءُ فِي الْأَمْرِ وَسُرْعَةُ الْقَطْعِ بِالْحَقِّ وَأَصْلُهُ مِنْ ذَكَتِ النَّارُ وَذَكَتِ الرِّيحُ وَشَاةٌ مُذَكَّاةٌ أَيْ مُدْرَكٌ ذَبْحُهَا بِحِدَّةِ السِّكِّينِ .
الثَّامِنَ عَشَرَ :
nindex.php?page=treesubj&link=22256الْفِطْنَةُ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّنَبُّهِ لِشَيْءٍ قُصِدَ تَعْرِيضُهُ وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَكْثَرِ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحَاجِي وَالرُّمُوزِ .
التَّاسِعَ عَشَرَ : الْخَاطِرُ وَهُوَ حَرَكَةُ النَّفْسِ نَحْوَ تَحْصِيلِ الدَّلِيلِ وَفِي الْحَقِيقَةِ ذَلِكَ الْمَعْلُومُ هُوَ الْخَاطِرُ بِالْبَالِ وَالْحَاضِرُ فِي النَّفْسِ ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ : هَذَا خَطَرَ بِبَالِي إِلَّا أَنَّ النَّفْسَ لَمَّا كَانَتْ مَحَلًّا لِذَلِكَ الْمَعْنَى الْخَاطِرِ جُعِلَتْ خَاطِرًا ؛ إِطْلَاقًا لِاسْمِ الْحَالِّ عَلَى الْمَحَلِّ .
الْعِشْرُونَ : الْوَهْمُ وَهُوَ الِاعْتِقَادُ الْمَرْجُوحُ ، وَقَدْ يُقَالُ : إِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الْحُكْمِ بِأُمُورٍ جُزْئِيَّةٍ غَيْرِ مَحْسُوسَةٍ لِأَشْخَاصٍ جُزْئِيَّةٍ جُسْمَانِيَّةٍ كَحُكْمِ السَّخْلَةِ بِصَدَاقَةِ الْأُمِّ وَعَدَاوَةِ الْمُؤْذِي .
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ : الظَّنُّ وَهُوَ الِاعْتِقَادُ الرَّاجِحُ ، وَلَمَّا كَانَ قَبُولُ الِاعْتِقَادِ لِلْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ غَيْرَ مَضْبُوطٍ فَكَذَا مَرَاتِبُ الظَّنِّ غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ فَلِهَذَا قِيلَ إِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْجِيحِ أَحَدِ طَرَفَيِ الْمُعْتَقَدِ فِي الْقَلْبِ عَلَى الْآخَرِ مَعَ تَجْوِيزِ الطَّرَفِ الْآخَرِ ، ثُمَّ إِنَّ الظَّنَّ الْمُتَنَاهِيَ فِي الْقُوَّةِ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْعِلْمِ فَلَا جَرَمَ قَدْ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْعِلْمِ اسْمُ الظَّنِّ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ ) [الْبَقَرَةِ : 46] قَالُوا : إِنَّمَا أُطْلِقَ لَفْظُ الظَّنِّ عَلَى الْعِلْمِ هَهُنَا لِوَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ عِلْمَ أَكْثَرِ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى عِلْمِهِ فِي الْآخِرَةِ كَالظَّنِّ فِي جَنْبِ الْعِلْمِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْعِلْمَ الْحَقِيقِيَّ فِي الدُّنْيَا لَا يَكَادُ يَحْصُلُ إِلَّا لِلنَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ) [الْحُجُرَاتِ : 15] وَاعْلَمْ أَنَّ الظَّنَّ إِنْ كَانَ عَنْ أَمَارَةٍ قَوِيَّةٍ قُبِلَ وَمُدِحَ ، وَعَلَيْهِ مَدَارُ أَكْثَرِ أَحْوَالِ هَذَا الْعِلْمِ ، وَإِنْ كَانَ عَنْ أَمَارَةٍ ضَعِيفَةٍ ذُمَّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=36إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) [يُونُسَ : 36] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) [الْحُجُرَاتِ : 12] .
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ : الْخَيَالُ وَهُوَ عِبَارَةٌ مِنَ الصُّورَةِ الْبَاقِيَةِ عَنِ الْمَحْسُوسِ بَعْدَ غَيْبَتِهِ ، وَمِنْهُ الطَّيْفُ الْوَارِدُ مِنْ صُورَةِ الْمَحْبُوبِ خَيَالًا ، وَالْخَيَالُ قَدْ يُقَالُ لِتِلْكَ الصُّورَةِ فِي الْمَنَامِ وَفِي الْيَقَظَةِ ، وَالطَّيْفُ لَا يُقَالُ إِلَّا فِيمَا كَانَ فِي حَالِ النَّوْمِ .
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ : الْبَدِيهَةُ وَهِيَ الْمَعْرِفَةُ الْحَاصِلَةُ ابْتِدَاءً فِي النَّفْسِ لَا بِسَبَبِ الْفِكْرِ كَعِلْمِكَ بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ .
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ :
nindex.php?page=treesubj&link=21871الْأَوَّلِيَّاتُ وَهِيَ الْبَدِيهِيَّاتُ بِعَيْنِهَا وَالسَّبَبُ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ أَنَّ الذِّهْنَ يُلْحِقُ مَحْمُولَ الْقَضِيَّةِ بِمَوْضُوعِهَا أَوَّلًا لَا بِتَوَسُّطِ شَيْءٍ آخَرَ ، فَأَمَّا الَّذِي يَكُونُ بِتَوَسُّطِ شَيْءٍ آخَرَ ، فَذَاكَ الْمُتَوَسِّطُ هُوَ الْمَحْمُولُ أَوَّلًا .
الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ : الرَّوِيَّةُ ، وَهِيَ مَا كَانَ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بَعْدَ فِكْرٍ كَثِيرٍ ، وَهِيَ مِنْ رَوَى .
السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ : الْكِيَاسَةُ ، وَهِيَ تَمَكُّنُ النَّفْسِ مِنِ اسْتِنْبَاطِ مَا هُوَ أَنْفَعُ ، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
[ ص: 191 ] وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011414الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا خَيْرَ يَصِلُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ أَفْضَلُ مِمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ .
السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ : الْخِبْرَةُ ، وَهِيَ مَعْرِفَةٌ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهَا بِطَرِيقِ التَّجْرِبَةِ ، يُقَالُ : خَبِرْتُهُ ، قَالَ
أَبُو الدَّرْدَاءِ : وَجَدْتُ النَّاسَ أَخْبِرْ تَقْلَهُ ، وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ : نَاقَةٌ خَبِرَةٌ ، أَيْ غَزِيرَةُ اللَّبَنِ ، فَكَانَ الْخَبَرُ هُوَ غَزَارَةَ الْمَعْرِفَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ : نَاقَةٌ خَبِرَةٌ : هِيَ الْمُخْبَرُ عَنْهَا بِغَزَارَتِهَا .
الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28329الرَّأْيُ ، وَهُوَ إِحَاطَةُ الْخَاطِرِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي يُرْجَى مِنْهَا إِنْتَاجُ الْمَطْلُوبِ ، وَقَدْ يُقَالُ لِلْقَضِيَّةِ الْمُسْتَنْتَجَةِ مِنَ الرَّأْيِ رَأْيٌ ، وَالرَّأْيُ لِلْفِكْرِ كَالْآلَةِ لِلصَّانِعِ ، وَلِهَذَا قِيلَ : إِيَّاكَ وَالرَّأْيَ الْفَطِيرَ ، وَقِيلَ : دَعِ الرَّأْيَ تُصِبْ .
التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ :
nindex.php?page=treesubj&link=25970الْفِرَاسَةُ وَهِيَ الِاسْتِدْلَالُ بِالْحَقِّ الظَّاهِرِ عَلَى الْخُلُقِ الْبَاطِنِ ، وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى صِدْقِ هَذَا الطَّرِيقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=75إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) [الْحِجْرِ : 75] وَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=273تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ ) [الْبَقَرَةِ : 273] وَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=30وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ) [مُحَمَّدٍ : 30] وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ قَوْلِهِمْ : فَرَسَ السَّبُعُ الشَّاةَ ، فَكَأَنَّ الْفِرَاسَةَ اخْتِلَاسُ الْمَعَارِفِ ، وَذَلِكَ ضَرْبَانِ : ضَرْبٌ يَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ عَنْ خَاطِرِهِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ ، وَذَلِكَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِلْهَامِ بَلْ ضَرْبٌ مِنَ الْوَحْيِ ، وَإِيَّاهُ عَنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011415إِنَّ فِي أُمَّتِي لَمُحَدَّثِينَ ، وَإِنَّ عُمَرَ لَمِنْهُمْ " وَيُسَمَّى ذَلِكَ أَيْضًا النَّفْثَ فِي الرَّوْعِ ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنَ الْفِرَاسَةِ مَا يَكُونُ بِصِنَاعَةٍ مُتَعَلَّمَةٍ وَهِيَ الِاسْتِدْلَالُ بِالْأَشْكَالِ الظَّاهِرَةِ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْبَاطِنَةِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=17أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ) [هُودٍ : 17] إِنَّ الْبَيِّنَةَ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى صَفَاءِ جَوْهَرِ الرُّوحِ وَالشَّاهِدُ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ بِالْأَشْكَالِ عَلَى الْأَحْوَالِ .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=31وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرَّحْمَنُ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2عَلَّمَ الْقُرْآنَ ) [الرَّحْمَنِ : 1 ، 2] لَا يَقْتَضِي
nindex.php?page=treesubj&link=28781_28716وَصْفَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مُعَلِّمٌ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ تَعَارُفٌ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَنْ يَحْتَرِفُ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّلْقِينِ ، وَكَمَا لَا يُقَالُ لِلْمُدَرِّسِ مُعَلِّمٌ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِلْمُتَعَلِّمِينَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُدَرِّسُ فَكَذَا لَا يُقَالُ لِلَّهِ إِنَّهُ مُعَلِّمٌ إِلَّا مَعَ التَّقْيِيدِ ، وَلَوْلَا هَذَا التَّعَارُفُ لَحَسُنَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ بَلْ كَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ إِلَّا فِيهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّمَ هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ الْعِلْمُ فِي غَيْرِهِ وَلَا قُدْرَةَ عَلَى ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى .