الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
إذا ثبت هذا فنقول تقديم الفاسق للإمامة جائز عندنا ويكره وقال مالك رضي الله تعالى عنه عنه : لا تجوز الصلاة خلف الفاسق ; لأنه لما ظهرت منه الخيانة في الأمور الدينية ، فلا يؤتمن في أهم الأمور . ألا ترى أن الشرع أسقط شهادته لكونها أمانة ؟ ، .

( ولنا ) حديث مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الجهاد مع كل أمير والصلاة خلف كل إمام والصلاة على كل ميت } ، وقال صلى الله عليه وسلم : { صلوا خلف كل بر وفاجر } ، ولأن الصحابة والتابعين كانوا لا يمنعون من الاقتداء بالحجاج في صلاة الجمعة وغيرها مع أنه كان أفسق أهل زمانه حتى قال الحسن رحمه الله تعالى لو جاء كل أمة بخبيثاتها ونحن جئنا بأبي محمد لغلبناهم ، وإنما يكره لأن في تقديمه تقليل الجماعة وقلما يرغب الناس في الاقتداء به ، وقال أبو يوسف : في [ ص: 41 ] الأمالي أكره أن يكون الإمام صاحب هوى أو بدعة ; لأن الناس لا يرغبون في الاقتداء به .

وإنما جاز إمامة الأعمى ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم : { استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرة وعتبان بن مالك مرة وكانا أعميين } ، والبصير أولى ; لأنه قيل لابن عباس رضي الله تعالى عنهما بعد ما كف بصره ألا تؤمهم ؟ قال : كيف أؤمهم وهم يسوونني إلى القبلة ؟ ولأن الأعمى قد لا يمكنه أن يصون ثيابه عن النجاسات فالبصير أولى بالإمامة .

وأما جواز إمامة الأعرابي ، فإن الله - تعالى - أثنى على بعض الأعراب بقوله : { ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله } الآية وغيره أولى ; لأن الجهل عليهم غالب والتقوى فيهم نادرة ، وقد ذم الله - تعالى - بعض الأعراب بقوله - تعالى - : { الأعراب أشد كفرا ونفاقا } ، وأما العبد فجواز إمامته ، لحديث أبي سعيد مولى أبي أسيد قال عرست وأنا عبد فدعوت رهطا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر فحضرت الصلاة فقدموني فصليت بهم وغيره أولى ; لأن الناس قلما يرغبون في الاقتداء بالعبيد والجهل عليهم غالب لاشتغالهم بخدمة المولى عن تعلم الأحكام ، والتقوى فيهم نادرة وكذلك ولد الزنا ، فإنه لم يكن له أب يفقهه فالجهل عليه غالب والذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ولد الزنا شر الثلاثة } ، فقد روت عائشة رضي الله تعالى عنها هذا الحديث وقالت كيف يصح هذا ، وقد قال الله - تعالى - : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } .

ثم المراد شر الثلاثة نسبا أو قاله في ولد زنا بعينه نشأ مرتدا ، فأما من كان منهم مؤمنا فالاقتداء به صحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية