الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ومن ) ( أدرك الإمام في ركوع أول ) من الركعة الأولى أو الثانية ( أدرك الركعة ) كما في سائر الصلوات ; ولأن الأول هو الأصل وما بعده في حكم التابع له [ ص: 409 ] ( أو ) أدركه ( في ) ركوع ( ثان ، أو ) في ( قيام ثان ) من أي ركعة ( فلا يدركها ) ( في الأظهر ) ; لما ذكرناه ، والقول الثاني يدرك ما لحق به الإمام ويدرك بالركوع القومة التي قبله ، فعلى هذا لو كان في الركعة الأولى قام عند سلام الإمام وقرأ وركع واعتدل وجلس وتشهد وتحلل ولا يسجد ; لأن إدراك الركوع إذا أثر في إدراك القيام الذي قبله كان السجود الذي بعده محسوبا بطريق الأولى ( وإن كان في الثانية فيأتي مع ما ذكرناه بالركعة الثانية كاملة ) ، ومعلوم أنه لا خلاف في أنه لا يدرك الركعة بجملتها ( وتفوت صلاة ) كسوف ( الشمس ) إذا لم يشرع فيها ( بالانجلاء ) التام يقينا لخبر { إذا رأيتم ذلك أي الكسوف فادعوا الله وصلوا حتى ينكشف ما بكم } ، وفيه دلالة على عدم الصلاة بعد ذلك ، لا سيما والمقصود من الصلاة قد حصل ، بخلاف الخطبة فإنها لا تفوت ; لأن القصد بها الوعظ ، وهو لا يفوت بذلك .

                                                                                                                            فلو انجلى بعض ما كسف فله الشروع في الصلاة كما لو لم ينكسف منها إلا ذلك القدر ، ولو انجلى جميعها وهو في أثنائها أتمها وإن لم يدرك ركعة منها إلا أنها لا توصف بأداء ولا قضاء ، بل قد يقال بصحة وصفها بالأداء وإن تعذر القضاء كرمي الجمار ، ولو حال سحاب وشك في الانجلاء ، أو الكسوف لم يؤثر فيفعلها في الأول دون الثاني عملا بالأصل فيهما ، ولو شرع فيها ظانا بقاءه ، ثم تبين أنه كان انجلاء قبل تحرمه بها بطلت ولا تنعقد نفلا على قول ، إذ ليس لنا نفل على هيئة صلاة الكسوف فيدرج في نيته قاله ابن عبد السلام ، ومنه يؤخذ أنه لو كان أحرم بها بنية ركعتين كسنة الظهر انقلبت نفلا مطلقا وهو ظاهر ولو قال المنجمون انجلت ، أو انكسفت [ ص: 410 ] لم نعمل بقولهم ، فتصلى في الأول إذ الأصل بقاء الكسوف دون الثاني إذ الأصل عدمه ، وقول المنجمين تخمين لا يفيد اليقين ، ولا يرد على ذلك جواز العمل بقولهم في دخول الوقت والصوم ; لأن هذه الصلاة خارجة عن القياس فاحتيط لها ، وبأن دلالة علمه على ذينك أقوى منها هنا وذلك لفوات سببها ( و ) تفوت أيضا ( بغروبها كاسفة ) ; لأن الانتفاع بها يبطل بغروبها نيرة كانت ، أو منكسفة لزوال سلطانها .

                                                                                                                            ( و ) تفوت أيضا صلاة خسوف ( القمر ) قبل الشروع فيها ( بالانجلاء ) التام أيضا كما مر لحصول المقصود ( وطلوع الشمس ) وهو منخسف لعدم الانتفاع بضوئه ( لا ) بطلوع ( الفجر ) فلا تفوت صلاة خسوفه ( في الجديد ) لبقاء ظلمة الليل والانتفاع به وعلى هذا لا يضر طلوع الشمس في صلاته كالانجلاء والقديم تفوت لذهاب الليل وهو سلطانه ( ولا ) تفوت صلاته أيضا ( بغروبه خاسفا ) لبقاء محل سلطنته وهو الليل فغروبه كغيبوبته تحت السحاب فعلم أنا لا ننظر إلى تلك الليلة بخصوصها واستحالة طلوعه بعد غروبه فيها وإنما ننظر لوجود الليل الذي هو محله في الجملة كما ننظر إلى سلطان الشمس وهو النهار ولا ننظر فيه إلى غيم ، أو نحوه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : في ركوع أول ) هو بتنوينه مصروفا . ويجوز ترك صرفه وذلك ; لأن أول إن استعمل بمعنى متقدم كان مصروفا ، أو بمعنى [ ص: 409 ] أسبق كان ممنوعا من الصرف ( قوله : فلا يدركها ) زاد المحلي : أي شيئا منها ا هـ أي فليس المراد أنه يدرك ذلك الركوع فقط ويتمم عليه بعد السلام ( قوله : في الأظهر ) ومحله فيمن فعلها بالهيئة المخصوصة . أما من أحرم بها كسنة الظهر فيدرك الركعة بإدراك الركوع الثاني من الركعة الثانية سواء اقتدى في القيام قبله أو فيه واطمأن يقينا قبل ارتفاع الإمام عن أقل الركوع لتوافق نظم صلاتيهما حينئذ .

                                                                                                                            [ فرع ] لو اقتدى بإمام الكسوف في ثاني ركوعي الركعة الثانية فما بعده وأطلق نيته وقلنا إن من أطلق نية الكسوف انعقدت على الإطلاق فهل تنعقد له ههنا على الإطلاق لزوال المخالفة أولا ; لأن صلاته إنما تنعقد على ما نواه الإمام لئلا يلزم المخالفة ؟ فيه نظر ، وأظن م ر اختار الأول ا هـ سم على منهج . أقول : وينبغي أن المراد من الإطلاق هنا حمله على أنها تنعقد كسنة الصبح لا أنه يتخير بين ذلك وبين فعلها بالهيئة الأصلية ; لأن فعلها كذلك يؤدي لتخالف نظم الصلاتين ، اللهم إلا أن يقال : ما يأتي به مع الإمام لمحض المتابعة ولا يحسب له شيء من الركعة كالمسبوق الذي اقتدى به في الركوع الثاني من الركعة الثانية ونوى الهيئة الكاملة ( قوله لما ذكرناه ) هو قوله : ولأن الأول هو الأصل ( قوله : في الركعة الأولى ) أي من صلاة الإمام ( قوله : بل قد يقال بصحة وصفها بالأداء ) أي بتنزيل زمن الكسوف الذي تفعل فيه منزلة الوقت المقدر من الشارع فيكون الوصف بذلك مجازا ( قوله : فيفعلها في الأول ) أي إذا شك في الانجلاء ( قوله : انقلبت نفلا مطلقا ) هذا كالصريح في أنه إذا علم بذلك في أثنائها انقلبت نفلا ، وهو مخالف لما قدمه في صفة الصلاة من أنه إذا أحرم بالصلاة قبل دخول وقتها جاهلا بالحال وقعت نفلا مطلقا بشرط استمرار الجهل إلى الفراغ منها ، فإن علم بذلك في أثنائها بطلت فيحمل ما هنا على ما هناك فتصور المسألة بما إذا لم يعلم بانجلائها إلا بعد تمام الركعتين وهو الذي يظهر الآن ( قوله : ولو قال المنجمون إلخ ) [ ص: 410 ] ظاهره ولو غلب على ظنه صدقهم ويشعر به قوله ولا يرد على ذلك جواز العمل إلخ ( قوله وذلك لفوات سببها ) المتبادر منه أنه علة لقوله أقوى منها إلخ وفيه نظر ، والظاهر أنه علة لعدم القضاء ( قوله : لا بطلوع الفجر ) قضيته أنها لا تفوت بذلك وإن كان في ليال يقطع بأنه وإن لم يكن كاسفا لا يوجد في ذلك الوقت كما لو كان ذلك في عاشر الشهر مثلا ، وسيأتي التصريح به في قوله فعلم أنا لا ننظر إلخ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 408 - 409 ] ( قوله : فيأتي مع ما ذكرناه ) عبارة المحلي : أو في الثانية وسلم الإمام قام وقرأ وركع ثم أتى بالركعة الثانية وركوعيها ( قوله : ولا تنعقد نفلا على قول ) هل المراد أنها لا تنعقد نفلا على قول من الأقوال بمعنى أن عدم انعقادها متفق عليه [ ص: 410 ] أو المراد أن عدم انعقادها قول من جملة الأقوال فيكون هناك من يقول بانعقادها ؟ يراجع ( قوله : وذلك لفوات سببها ) تعليل لأصل المتن كما يدل عليه سياق غيره .




                                                                                                                            الخدمات العلمية