الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويقدم الأفقه والأقرأ ) أي كل منهما وكذا الأورع ( على الأسن والنسيب ) فعلى أحدهما أولى ; لأن الفضيلة كل من الأولين لها تعلق تام بصحة الصلاة أو كمالها بخلاف الأخيرين . ولو كان الأفقه أو الأقرأ أو الأورع صبيا أو قاصرا في سفره أو فاسقا أو ولد زنا أو مجهول الأب فضده أولى كما مرت الإشارة إلى بعض ذلك ، إلا أن يكون المسافر السلطان أو نائبه فهو أحق ، وأطلق جمع كراهة إمامة ولد الزنا ومن لا يعرف أبوه وهي مصورة بكون ذلك في ابتداء الصلاة ولم يساوه المأموم ، فإن ساواه أو وجده قد أحرم واقتدى به فلا بأس ( والجديد تقديم الأسن ) في الإسلام ( على النسيب ) لخبر الشيخين { ليؤمكم أكبركم } ولأن فضيلة الأسن في ذاته والنسيب في آبائه ، وفضيلة الذات أولى .

                                                                                                                            وعكسه القديم لخبر { قدموا قريشا ولا تقدموها } وعلم أنه لا عبرة بسن في غير الإسلام ، فيقدم شاب أسلم أمس على شيخ أسلم اليوم ، فإن أسلما معا قدم الشيخ كما يدل عليه الخبر ، وبحثه الطبري ويقدم [ ص: 183 ] من أسلم بنفسه على من أسلم بتبعيته لغيره ، وإن تأخر إسلامه ; لأن فضيلته في ذاته ، قاله البغوي . قال ابن الرفعة : وهو ظاهر إذا كان إسلامه قبل بلوغ من أسلم تبعا ، أما بعده فيظهر تقديم التابع .

                                                                                                                            والمراد بالنسيب من ينسب إلى قريش أو غيره ممن يعتبر في الكفاءة كالعلماء والصلحاء فيقدم الهاشمي والمطلبي ثم سائر قريش ثم العربي ثم العجمي ، ويقدم ابن العالم أو الصالح على ابن غيره . وتعتبر الهجرة أيضا فيقدم أفقه فأقرأ فأروع فأقدم هجرة بالنسبة لآبائه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالنسبة لنفسه إلى دار الإسلام فأسن فأنسب ، فعلم أن المنتسب للأقدم هجرة مقدم على المنتسب لقريش مثلا ، وأن ذكر النسب لا يغني عن ذكر الأقدم هجرة .

                                                                                                                            ( فإن ) ( استويا ) في جميع الصفات التي ذكرناها ( فنظافة ) الذكر كما في التحقيق : أي حسنه ، ثم نظافة ( الثوب والبدن ) عن الأوساخ ( وحسن الصوت وطيب الصنعة ونحوها ) لإفضاء النظافة إلى استمالة القلوب وكثرة الجمع ، والكسب كالنظافة ، فمن كان كسبه أفضل أو أنظف قدم به ، ولو تعارضت الصفات بعد حسن الذكر قدم الأنظف ثوبا ثم بدنا ثم صنعة ثم الأحسن صوتا فصورة ، فإن استويا وتشاحا أقرع بينهما ، ومحل ذلك عند فقد الإمام الراتب أو إسقاط حقه للأولى ، وإلا قدم الراتب على الجميع ، وهو من ولاه الناظر أو كان بشرط الواقف .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بخلاف الأخيرين ) أي الأسن والنسيب ( قوله : كما مرت الإشارة ) أي في قوله ولو تميز المفضول ممن ذكر إلخ ( قوله : ومن لا يعرف ) أي كاللقيط ، ومثل إمامته الاقتداء به فيكره ( قوله : وهي مصورة ) أي كراهة إمامة ولد الزنا ومن لا يعرف أبوه ( قوله : فلا بأس ) أي فلا لوم في الاقتداء ، ومعلوم منه نفي الكراهة .

                                                                                                                            [ فائدة ] وقع السؤال في الدرس عما لو أسلم شخص ومكث مدة كذلك ثم ارتد ثم أسلم شخص آخر ثم جدد المرتد إسلامه واجتمعا ، فهل يقدم الأول لكونه أسن في الإسلام أو يقدم الثاني ؟ فيه نظر ، والجواب عنه أن الظاهر تقديم الثاني ; لأن الردة أبطلت شرف الإسلام الأول ، ومن ثم لا ثواب له على شيء من الأعمال التي وقعت فيه ، وأما لو أسلما معا فهما مستويان ( قوله : قدم الشيخ ) لا ينافي هذا ما قبله من قوله وعلم أنه لا عبرة بسن [ ص: 183 ] في غير الإسلام ; لأن ذاك محله فيما لو عارضته صفة من المرجحات ، وما هنا مفروض في استوائهما في الصفات كلها ، فالشيخوخة من حيث هي مقتضية للترجيح ( قوله : إلى قريش أو غيره ) أي قريش ، وأفرد الصمير لكون قريش اسما للجد الذي تنسب إليه القبيلة ( قوله : ثم العربي ) أي ثم باقي العرب ( قوله : ويقدم ابن العالم ) أي بعد الاستواء فيما تقدم ( قوله : فنظافة الذكر ) أي بأن لم يصفه من لم يعلم منه عداوته بنقص يسقط العدالة فيما يظهر ا هـ حج .

                                                                                                                            فيدخل فيه من لم يعلم حاله ، ومن وصف بخارم المروءة ( قوله : وحسن الصوت ) أي ولو كانت الصلاة سرية كما اقتضاه إطلاقه ، والمراد هنا بيان الصفات الفاضلة وأما الترتيب بينها فسيأتي ( قوله : قدم الأنظف ثوبا ) زاد حج فوجها ( قوله : فصورة ) لعل المراد بالصورة سلامته في بدنه من آفة تنقصه كعرج وشلل لبعض أعضائه .

                                                                                                                            وفي المصباح : عرج في مشيه عرجا من باب تعب إذا كان من علة لازمة فهو أعرج ، والمرأة عرجاء ، فإن كان من علة غير لازمة بل من شيء أصابه حتى غمز في مشيه قيل عرج يعرج من باب قتل يقتل فهو عارج .

                                                                                                                            ( قوله : أقرع بينهما ) أي حيث اجتمعا في محل مباح أو كانا مشتركين في الإمامة لما يأتي من أنهما لو كانا شريكين في مملوك وتنازعا لا يقرع بينهما بل يصلي كل منفردا ( قوله : أو إسقاط حقه للأولى ) أي فلو عن له الرجوع رجع قبل دخول من أسقط حقه له في الصلاة ( قوله : وإلا قدم الراتب ) أي وإن كان مفضولا في جميع الصفات ، ومثله ما لو عين شخصا بدله لتنزيله منزلته ( قوله : وهو من ولاه الناظر ) قضيته أن ما يقع كثيرا من اتفاق أهل محلة على إمام يصلي بهم من غير نصب الناظر أنه لا حق له في ذلك فيقدم غيره عليه ، لكن في الإيعاب خلافه . وعبارته : فرع : في الكفاية والجواهر وغيرهما تبعا للماوردي ما حاصله تحصل وظيفة إمام غير الجامع من مساجد المحال والعشائر [ ص: 184 ] والأسواق بنصب الإمام شخصا أو بنصب شخص نفسه لها برضا جماعته بأن يتقدم بغير إذن للإمام ويؤم بهم ، فإذا عرف به ورضيت جماعة ذلك المحل بإمامته فليس لغيره التقدم عليه إلا بإذنه ، وتحصل في الجامع والمسجد الكبير أو الذي في الشارع بتولية الإمام أو نائبه فقط ; لأنها من الأمور العظام فاختصت بنظره ، فإن فقد فمن رضيه أهل البلد : أي أكثرهم كما هو ظاهر . ا هـ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : أو قاصرا في سفره ) أي والمأمومون متمون ، وعلله في شرح الروض بالاختلاف بين صلاتهما . أقول : ولوقوع بعض صلاتهم من غير جماعة بخلافها خلف المتم ( قوله : كما مرت الإشارة إلى بعض ذلك ) ما ذكره هنا هو جميع مفهوم قوله فيما مر ولو تميز المفضول ممن ذكر ببلوغ إلخ ، فالصواب إسقاط لفظ بعض ( قوله : أو وجده قد أحرم ) أي فالكراهة إنما هي في تقدمه على غيره الذي ليس مثله مع حضوره وليست راجعة إلى نفس إمامته . ( قوله : في الإسلام ) سيأتي أنه يقدم بكبر السن أخذا من الخبر الآتي ، فلعله إنما قيد بذلك لكونه محل الخلاف ( قوله : لخبر الشيخين { وليؤمكم أكبركم } ) أي بالنظر لكونه مستعملا في حقيقته ومجازه [ ص: 183 ] قوله : بالنسبة لآبائه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يؤخذ منه أنه لا عبرة بهجرة آبائه إلى دار الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قوله : أو صورة ) في أكثر النسخ فصورة وهي الموافقة لما في كلام غيره ( قوله : من ولاه الناظر ) أي ولو عاما كالحاكم كما هو ظاهر .




                                                                                                                            الخدمات العلمية