الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ويعتبر في سفر البحر المتصل ساحله بالبلد جري السفينة أو الزورق إليها ، قاله البغوي وأقره ابن الرفعة وغيره ، وظاهره مع [ ص: 253 ] ما نقله عن البغوي نفسه في الخراب أن سير البحر يخالف سير البر ، وكأنه لأن العرف لا يعد المسافر فيه مسافرا إلا بعد ركوب السفينة أو الزورق ، بخلافه في البر فإنه بمجرد مجاوزة العمران وإن ألصق ظهره به يعد مسافرا وهذا هو المعتمد ويحتمل أن كلام البغوي محمول على ما لا سور له ، وعلم مما تقرر أنه لا أثر لمجرد نية السفر لتعلق القصر في الآية بالضرب ويخالف نية الإقامة كما سيأتي ; لأن الإقامة كالقنية في مال التجارة ، كذا فرق الرافعي تبعا لبعض المراوزة . قال الزركشي وغيره : وقضيته أنه لا يعتبر في نية الإقامة المكث ، وليس مرادا كما سيأتي فالمسألتان كما قاله الجمهور مستويتان في أن مجرد النية لا يكفي فلا حاجة لفارق ، وينتهي السفر ببلوغ ما شرط مجاوزته ابتداء مما مر سواء أكان ذلك من أول دخوله إليه أم لا بأن رجع من سفره كما قال .

                                                                                                                            ( وإذا رجع ) إلى ما شرط مجاوزته من دون مسافة القصر لحاجة كتطهر وأخذ متاع ، أو نوى الرجوع له وهو مستقل ماكث وإن كان بمكان غير صالح للإقامة ، فإن كان وطنه صار مقيما بابتداء رجوعه أو بنيته ولا يترخص في إقامته ولا رجوعه إلى مفارقة وطنه تغليبا للوطن ، وهذا هو المعول عليه وإن نازع فيه جمع متأخرون ، وإن لم يكن وطنه ترخص ، وإن دخلها ولو كان دار إقامته لانتفاء الوطن فكانت كسائر المنازل ، فإن رجع من سفره الطويل ( انتهى سفره ببلوغه ما شرط مجاوزته ابتداء ) من [ ص: 254 ] سور أو غيره ، وإن لم يدخله فيترخص إلى وصوله . لذلك لا يقال : القياس عدم انتهاء سفره إلا بدخوله العمران أو السور كما لا يصير مسافرا إلا بخروجه منه ; لأنا نقول : المنقول الأول ، والفرق أن الأصل الإقامة فلا تنقطع إلا بتحقق السفر وتحققه بخروجه من ذلك ، وأما السفر فعلى خلاف الأصل فانقطع بمجرد وصوله وإن لم يدخل ، فعلم أنه ينتهي بمجرد بلوغه مبدأ سفره من وطنه ولو مارا به في سفر كأن خرج منه ثم رجع من بعيد قاصدا مروره به من غير إقامة لا من بلد مقصده ولا بلد له فيها أهل وعشيرة ولم ينو الإقامة بكل منهما فلا ينتهي سفره بوصوله إليهما ، بخلاف ما لو نوى الإقامة بهما فإنه ينتهي سفره بذلك كما ينتهي فيما ذكره بقوله

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أو الزورق إليها ) أي آخرا ( قوله : قاله البغوي وأقره ) قال في ابن حجر : وإن كان في هواء العمران كما اقتضاه [ ص: 253 ] إطلاقهم انتهى .

                                                                                                                            ( قوله : إلا بعد ركوب السفينة ) هذا التعليل يقتضي أنه بمجرد نزول السفينة وإن لم تسر أو الزورق يقصر ومدعاه خلافه ، إلا أن يقال : مراده بركوب السفينة نزوله فيها مع سيرها بقرينة ما قدمه . ومعلوم أن هذا في حق أهل البلد المجاورة للنهر . أما غيرهم ممن يأتي إليهم بقصد نزول السفينة فلا يتوقف قصرهم على سير السفينة ; لأنهم يقصرون بمجاوزة عمران بلدهم أو سورها . قال سم على منهج : بقي أن م ر قال : إذا جرت السفينة في طول البلد لا يعد مسافرا حتى يجاوزها ، وهذا قاله بحسب ما ظهر له ، ولعل المراد أنها سارت على محاذاة المقدار الذي كانت واقفة فيه بحيث لو كانت ابتداء في محل السير واحتيج في السفر إلى جريها عنه ، بخلاف ما إذا بعدت عن الشط وصارت في جهة طول البعد .

                                                                                                                            ( قوله : وهذا هو المعتمد ) أي الفرق بين البر والبحر .

                                                                                                                            ( قوله : فلا حاجة لفارق ) أي بين نية السفر ونية الإقامة .

                                                                                                                            ( قوله : سواء أكان ذلك من أول دخوله إليه ) عبارة حجر : سواء أكان ذلك أول دخوله إلخ وهي أولى .

                                                                                                                            ( قوله : ولا رجوعه إلى مفارقة ) أي لا يترخص حتى يفارقه .

                                                                                                                            ( قوله : وإن نازع فيه جمع ) مراده حجر تبعا لغيره .

                                                                                                                            ( قوله : انتهى سفره ببلوغه ما شرط مجاوزته ابتداء ) أي ولو مكرها أو ناسيا فيما يظهر . وعبارة والد الشارح في حواشي شرح الروض نصها : قوله وينتهي سفره ببلوغه مبدأ سفره هذه عبارة غير مستقيمة ; لأن مبدأ سفره يجوز فيه القصر في الابتداء ; لأنه أول سفره ، فهو ببلوغه في الرجوع مسافر لا مقيم ; لأنه فيما له سور خارج السور بشيء يسير فلا يكفي الانتهاء ببلوغه بل ببلوغ نفس السور بأن لا يبقى بينه وبينه شيء ، فالعبارة الصحيحة أن يقال : ينتهي سفره بمجاوزته مبدأ سفره إلخ انتهى . وقياس ما مر في سفر البحر أن من بالسفينة يترخص إلى إرسائها بالساحل إن لم يكن لها زورق ، وإلى مفارقة الزورق لها آخرا إن كان لها زورق حيث أتى محل إقامته في عرض البحر ، بخلاف ما لو أتى في طوله فينقطع ترخصه بمحاذاته أول عمران بلده على ما مر عن سم نقلا عن الشارح ، وعبارة سم على منهج : قال شيخنا بر : أقول لم يبين حكم الرجوع من السفر الطويل ، وينبغي أن [ ص: 254 ] يقال : إن كان لحاجة في غير وطنه فهو باق على القصر ولا تؤثر النية ، وإن كان لوطنه فينقطع الترخص قبل الشروع في الرجوع وبعده سفر جديد فيقصر حينئذ . وأقول : ما بحثه شيخنا في شرح الروض خلافه ، ثم قال : والذي اعتمده طب وم ر بعد المباحثة بينهما أنه إن نوى الرجوع لوطنه لم يترخص قبل ارتحاله انتهى . ثم رأيت قول المصنف الآتي : ومن قصد سفرا طويلا إلخ ، وهو صريح فيما ذكر .

                                                                                                                            ( قوله : ولو كان مارا به ) يصدق بما لو حاذاه لكن مع بعد المسافة بينهما كما لو كان من أهل بولاق وكان في رجوعه متصلا ببر أنبابة أو متصلا ببولاق وسكنه بالقاهرة ، وفيه بعد . والظاهر أنه لا بد في انقطاع الترخص بالمحاذاة من قربه منها عرفا ، ثم يكون ما بعد وطنه سفرا مبتدأ ، فإن وجدت الشروط ترخص وإلا فلا كما هو ظاهر .

                                                                                                                            ( قوله : كأن خرج منه ثم رجع ) أي يكون ما بعده سفرا مبتدأ ، فإن وجدت الشروط ترخص وإلا فلا كما هو ظاهر



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : جرى السفينة ) ظاهره وإن كان في عرض البلد " لكن نقل عن الشهاب ابن قاسم أن محله إذا لم يكن في عرض البلد ، وكذلك هو في حاشية الزيادي [ ص: 253 ] وإن خالف فيه الشهاب حج ( قوله : ما نقل عن البغوي نفسه في الخراب ) أي من قوله إنه لا تشترط مجاوزته مطلقا سواء اندرس أم لا ، وسواء بقي فيه بقايا حيطان واتخذوه مزارع أو هجروه بالتحويط على العامر أم لا ( قوله : إلا بعد ركوب السفينة ) أي مع الجري بقرينة ما مر [ ص: 254 ] قوله : فيترخص إلى وصوله لذلك ) أي إن كانت نيته للرجوع وهو غير ماكث ، فإن كان ماكثا انقطع ترخصه بمجرد نية العود فليس له الترخص ما دام ماكثا حتى يشرع في العود فهو حينئذ سفر جديد كما سيأتي في قول المصنف في الفصل الآتي : ومن قصد سفرا طويلا فصار ثم نوى رجوعا انقطع ، فإن سافر فسفر جديد ( قوله : ولو مارا به ) أي والصورة أنه وصل لمبدإ سفره كما هو الفرض ، فما في حاشية الشيخ من صدق ذلك بما إذا كان المرور من بعيد ليس في محله




                                                                                                                            الخدمات العلمية