الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5628 4 - حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟! قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تفهم من معنى الحديث. وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي، وإبراهيم بن سعد يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وسعد يروي عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن قتيبة وآخرين، وأخرجه أبو داود في الأدب عن محمد بن جعفر بن زياد وغيره، وأخرجه الترمذي في البر عن قتيبة به.

                                                                                                                                                                                  قوله: " من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه"، ولفظ الترمذي: " من الكبائر أن يشتم الرجل والديه"، وهذا يقتضي أن سب الرجل والديه كبيرة، ورواية البخاري تقتضي أنه من أكبر الكبائر، وبينهما فرق من حيث إن الكبائر متفاوتة وبعضها أكبر من بعض، وهو قول العلماء، وعد أكبر الكبائر في حديث أبي بكرة، على ما يجيء، ثلاثة: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقول الزور وهو شهادة الزور، واقتصر في أكبر الكبائر على هذه الثلاثة، وزاد في حديث بريدة، رواه البزار: منع فضل الماء، ومنع الفحل؛ فصار كل ذلك خمسة. وروى الترمذي من رواية أبي أمامة عن [ ص: 84 ] عبد الله بن أنيس، بلفظ: إن من أكبر الكبائر: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس؛ فصار ستة. وحديث عمرو بن حزم الطويل في المائة المنتقاة: " إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة: الشرك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير حق، والفرار في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم"؛ فصارت اثني عشر، وروى الطبراني في (الأوسط) من حديث ابن عباس مرفوعا: " الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر". وروى أيضا فيه موقوفا على عبد الله بن عمرو: " أعظم الكبائر شرب الخمر"، ومثله لا يقال من قبل الرأي، وروى أيضا في (الكبير) من حديث واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: " إن من أكبر الكبائر: أن يقول الرجل علي ما لم أقل"؛ فصار المجموع أربع عشر، وأما ما ورد في تعديد الكبائر من غير تقييد بأكبرها؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: " اجتنبوا السبع الموبقات! قالوا: يا رسول الله، ما هي؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات".

                                                                                                                                                                                  وروى البزار من حديث ابن عباس بإسناد حسن أن رجلا قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: الشرك بالله، واليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله ، وروى الحاكم في المستدرك من رواية عبيد بن عمير، عن أبيه أنه حدثه، وكانت له صحبة: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال في حجة الوداع.. الحديث، وفيه: ويجتنب الكبائر، فقال: هي تسع، وذكر ما في حديث أبي هريرة وزاد: استحلال بيت الله الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا. وعن ابن عباس قال: " كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة". وحكى الطبري عنه قال: " كل ذنب ختمه الله بنار، أو لعنة، أو غضب؛ فهو كبيرة"، وقال طاوس: "قيل لابن عباس: الكبائر سبع؟ قال: هي إلى السبعين أقرب"، وقال سعيد بن جبير: قال رجل لابن عباس: الكبائر سبع؟ قال: هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار.

                                                                                                                                                                                  وروى الطبراني في (الكبير) من حديث سهل بن أبي خيثمة قال: سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: اجتنبوا السبع الكبائر.. الحديث، وفيه: والتغرب بعد الهجرة. وروى البيهقي عن ابن عباس قال: الكبائر.. فذكر أشياء منها: اليمين الغموس الفاجرة، والغلول، ومنع الزكاة وكتمان الشهادة، وترك الصلاة متعمدا، وأشياء مما فرضها الله، ونقض العهد، وروى ابن أبي الدنيا في كتاب (التوبة) عن ابن عباس قال: كل ذنب أصر عليه العبد كبيرة. وفيه الربيع بن صبيح، وقد اختلف فيه، وقال شيخنا زين الدين رحمه الله: اجتمع من مجموع هذه الأحاديث المرفوعة والموقوفة نحو أربعين من الكبائر، ثم ذكرها، فلنذكر ما لم يذكر هاهنا، وهو: ادعاء الرجل إلى غير أبيه، وإراءة عينيه، والإصرار على الصغيرة، والانتفاء من ولد له، وبهت المؤمن، والحقد، والزنا، والسرقة، والسعاية ببريء إلى ذي سلطان فيقتله، والغلول، والغيبة، واللواطة، ونسيان سورة أو آية من القرآن، والنميمة. وحكى الرافعي عن جماعة أنهم عدوا من الكبائر: غصب المال. والهروي شرط في المغصوب كونه نصابا، وحكي عن صاحب (العدة) أنه أضاف إليها: الإفطار في رمضان بلا عذر، والخيانة في كيل أو وزن، وتقديم الصلاة عن وقتها أو تأخيرها عنه بلا عذر، وضرب مسلم بلا حق، وسب الصحابة، وأخذ الرشوة، والدياثة، والقيادة من الرجل والمرأة، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة، وإحراق الحيوان، وامتناع المرأة من زوجها بلا سبب، ويقال: والوقيعة في أهل العلم وحملة القرآن، ومما عد من الكبائر: أكل لحم الخنزير والميتة بلا عذر. حكاه الرافعي، ونقل عن الشافعي أن الوطء في الحيض كبيرة، واختلفوا في سماع الأوتار، ولبس الحرير والجلوس عليه ونحوها، هل هو من الكبائر أو الصغائر؟ فمال إمام الحرمين إلى أنه من الكبائر، وصحح الرافعي أنه من الصغائر، والله أعلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟!" هذا استبعاد من السائل; لأن الطبع المستقيم يأبى ذلك، فبين في الجواب أنه وإن لم يتعاط ذلك بنفسه، ولكنه يكون سببا لذلك، وفي هذا الزمان من الناس الطغام من يسب والديه، بل يضربهما، ولقد شاهد جماعة ذلك من العققة الفجرة، وربما [ ص: 85 ] ذبح والده! أخبرني بذلك جماعة، وكثرت هذه المصيبة في الديار المصرية، نسأل الله العفو والعافية!




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية