الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5743 [ ص: 153 ] 118 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  وجه المطابقة بينه وبين الآية المذكورة ظاهر، وهو أن الصدق يهدي إلى الجنة، والآية فيها أيضا الأمر بالكون مع الصادقين، والكون معهم أيضا يهدي إلى الجنة.

                                                                                                                                                                                  وعثمان بن أبي شيبة أخو أبي بكر بن أبي شيبة، واسم أبي شيبة إبراهيم، وهو جد عثمان; لأنه ابن محمد بن إبراهيم. وجرير هو ابن عبد الحميد. ومنصور هو ابن المعتمر. وأبو وائل شقيق بن سلمة. وعبد الله هو ابن مسعود.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الأدب أيضا، عن عثمان، وعن أخيه أبي بكر بن أبي شيبة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " يهدي" من الهداية، وهي الدلالة الموصلة إلى البغية. قوله: " إلى البر" بكسر الباء الموحدة وتشديد الراء، وهو العمل الصالح الخالص من كل مذموم، وهو اسم جامع للخيرات كلها. قوله: " صديقا" بكسر الصاد وتشديد الدال، وهو صيغة المبالغة. قوله: " إلى الفجور" وهو الميل إلى الفساد، وقيل: الانبعاث في المعاصي، وهو جامع للشرور وهما متقابلان، قال الله عز وجل: إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم قوله: " حتى يكتب"؛ أي: يحكم له، وفي رواية الكشميهني: "حتى يكون"، والمراد: الإظهار للمخلوقين إما للملأ الأعلى، وإما أن يلقى ذلك في قلوب الناس وألسنتهم، وإلا فحكم الله أزلي، والغرض أنه يستحق وصف الصديقين وثوابهم، وصفة الكذابين وعقابهم، وكيف لا وإنه من علامات النفاق، ولعله لم يقل في الصديق بلفظ يكتب إشارة إلى أن الصديق من جملة الذين قال الله فيهم: الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: حديث عبد الله هذا يعارضه حديث صفوان بن سليم الذي رواه مالك عنه أنه قيل للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: " أيكون المؤمن كذابا؟ قال: لا"، وحديث: " يطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة والكذب". قلت: المراد بالمؤمن في حديث صفوان المؤمن الكامل؛ أي: لا يكون المؤمن المستكمل لأعلى درجات الإيمان كذابا حتى يغلبه الكذب; لأن "كذابا" وزنه فعال، وهو من أبنية المبالغة لمن يكثر الكذب منه، ويتكرر حتى يعرف به، وكذلك الكذوب، وكذلك الكلام في الحديث الآخر.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية