الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  764 185 - ( حدثنا معاذ بن فضالة قال : حدثنا هشام ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : لأقربن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - . فكان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يقنت في الركعة الأخرى من صلاة الظهر وصلاة العشاء وصلاة الصبح بعدما يقول : سمع الله لمن حمده ، فيدعو للمؤمنين ، ويلعن الكفار ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  وجه ذكر هذا الحديث قد مضى ذكره الآن .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) :

                                                                                                                                                                                  وهم خمسة : الأول : معاذ بن فضالة بفتح الفاء ، أبو زيد البصري . مر ذكره في باب النهي عن الاستنجاء باليمين . الثاني : هشام الدستوائي . الثالث : يحيى بن أبي كثير . الرابع : أبو سلمة بن عبد الرحمن . الخامس : أبو هريرة رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) :

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه القول في موضعين . وفيه أن شيخ البخاري من أفراده ، وفيه عن أبي سلمة . وفي رواية مسلم من طريق معاذ بن هشام عن أبيه ، عن يحيى ، حدثني أبو سلمة . وفيه أن رواته ما بين بصري ودستوائي ويماني ومدني .

                                                                                                                                                                                  ذكر من أخرجه غيره :

                                                                                                                                                                                  أخرجه مسلم أيضا في الصلاة ، عن محمد بن المثنى . وأخرجه أبو داود فيه عن داود بن أمية . وأخرجه النسائي فيه عن سليمان بن مسلم البلخي .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه :

                                                                                                                                                                                  قوله : “ لأقربن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - " ، وفي رواية مسلم " لأقربن لكم " ، وفي رواية الإسماعيلي " إني لأقربكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ، وفي رواية النسائي " إني لأقربكم شبها بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - " . وقال الكرماني " لأقربن " أي والله لأقربكم إلى صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لأقرب صلاته إليكم . قلت : " لأقربن " بالباء الموحدة وبنون التأكيد ، ومعناه لآتينكم بما يشبهها وما يقرب منها ، وفي نسخة من نسخ أبي داود " لأقرأن " من القراءة ، ولم يظهر لي وجهها ، وفي رواية الطحاوي قال أبو هريرة : " لأرينكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ فكان أبو هريرة " إلى آخره قيل : المرفوع من هذا [ ص: 73 ] الحديث وجود القنوت لا وقوعه في الصلوات المذكورة ; فإنه موقوف على أبي هريرة ، والظاهر أن جميعه مرفوع ; يدل عليه " لأقربن صلاة النبي " ، وفي رواية مسلم : " لأقربن لكم صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - " ، ثم إنه فسر ذلك بقوله : " فكان أبو هريرة " إلى آخره ، والفاء فيه تفسيرية . قوله : " في الركعة الآخرة " هذه رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره " في الركعة الأخرى " .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) :

                                                                                                                                                                                  استدل به من يرى بالقنوت في الصلوات المذكورة ، وعند الظاهرية القنوت فعل حسن في جميع الصلوات ، وعند ابن سيرين وابن أبي ليلى ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق : القنوت في الفجر بعد الركوع . وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم في قول ، وعند مالك وابن أبي ليلى وأحمد في رواية هو قبل الركوع ، وعند أبي حنيفة القنوت في الوتر خاصة قبل الركوع ، وحكى ابن المنذر كذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي موسى الأشعري والبراء بن عازب وابن عمر وابن عباس وأنس وعمر بن عبد العزيز وعبيدة السلماني وحميد الطويل وعبد الله بن المبارك . وحكى ابن المنذر أيضا التخيير قبل الركوع وبعده - عن أنس وأيوب ابن أبي تميمة وأحمد بن حنبل ، وقال أبو داود : قال أحمد : كل ما روى البصريون عن عمر في القنوت فهو بعد الركوع . وروى الكوفيون قبل الركوع ، وقال الترمذي : وقال أحمد وإسحاق : لا يقنت في الفجر إلا عند نازلة تنزل بالمسلمين ، فإذا نزلت نازلة فللإمام أن يدعو لجيوش المسلمين ، وقال سفيان الثوري : إن قنت في الفجر فحسن ، وإن لم يقنت فحسن ، واختار أن لا يقنت ، ولم ير ابن المبارك القنوت في الفجر ، وقال الطحاوي : حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا المقدمي ، حدثنا أبو معشر ، حدثنا أبو حمزة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود قال : " قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرا يدعو على عصية وذكوان ، فلما ظهر عليهم ترك القنوت " ، وكان ابن مسعود لا يقنت في صلاته ، ثم قال : فهذا ابن مسعود يخبر أن قنوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يقنته إنما كان من أجل من كان يدعو عليه ، وأنه قد كان ترك ذلك ، فصار القنوت منسوخا ، فلم يكن هو من بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت ، وكان أحد من روى عنه - صلى الله عليه وسلم - أيضا عبد الله بن عمر ، ثم أخبر أن الله عز وجل نسخ ذلك حين أنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون فصار ذلك عند ابن عمر منسوخا أيضا ، فلم يكن هو يقنت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان ينكر على من كان يقنت ، وكان أحد من روي عنه القنوت ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن بن أبي بكر ، فأخبر في حديثه بأن ما كان يقنت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاء على من كان يدعو عليه ، وأن الله عز وجل نسخ ذلك بقوله : ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم الآية . ففي ذلك أيضا وجوب ترك القنوت في الفجر .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : قد ثبت عن أبي هريرة أنه كان يقنت في الصبح بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف تكون الآية ناسخة لجملة القنوت . قلت : يحتمل أن يكون نزول هذه الآية لم يكن أبو هريرة علمه ، فكان يعمل على ما علم من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقنوته إلى أن مات ; لأن الحجة لم تثبت عنده بخلاف ذلك ألا ترى إلى أن عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهم لما علما بنزول هذه الآية وعلما كونها ناسخة لما كان رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يفعل تركا القنوت .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية