الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  749 170 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن سمي مولى أبي بكر ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين ، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قال ابن المنير : مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن في الحديث الأمر بقول آمين ، والقول إذا وقع به الخطاب مطلقا حمل على الجهر ، ومتى أريد به الإسرار أو حديث النفس قيد بذلك ، قلت : المطلق يتناول الجهر والإخفاء وتخصيصه بالجهر والحمل عليه تحكم لا يجوز ، وقال ابن رشيد : تؤخذ المناسبة من جهة أنه قال : إذا قال الإمام فقولوا ، فقابل القول بالقول ، والإمام إنما قال ذلك جهرا ، فكان الظاهر الاتفاق في الصفة ، قلت : هذا أبعد من الأول وأكثر تعسفا لأن ظاهر الكلام أن لا يقولها الإمام كما روي عن مالك لأنه قسم ، والقسمة تنافي الشركة ، وقوله : إنما قال ذلك جهرا لا يدل عليه معنى الحديث [ ص: 53 ] أصلا فكيف يقول فكان الظاهر الاتفاق في الصفة ، والحديث لا يدل على ذات التأمين من الإمام ، فكيف يطلب الاتفاق في الصفة وهي مبنية على الذات ؟ وقال ابن بطال : قد تقدم أن الإمام يجهر ، وتقدم أن المأموم مأمور بالاقتداء به ، فلزم من ذلك جهره بجهره ، قلت : هذا أبعد من الكل ، والملازمة ممنوعة ، فعلى ما قاله يلزم أن يجهر المأموم بالقراءة ولم يقل به أحد ، والكرماني أيضا ذكر هذا الوجه فكأنه أخذه من ابن بطال فبطل عليه ، ويمكن أن يوجه وجه لمناسبة الحديث للترجمة وهو أن يقال أما ظاهر الحديث فإنه يدل على أن المأموم يقولها ، وهذا لا نزاع فيه ، وأما أنه يدل على جهره بالتأمين فلا يدل ولكن يستأنس له بما ذكره قبل ذلك ، وهو قوله : " أمن ابن الزبير " إلى قوله : " خيرا " .

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله : وهم خمسة ، قد مضى ذكرهم غير مرة وسمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف ، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ، وأبو صالح ذكوان الزيات .

                                                                                                                                                                                  ذكر لطائف إسناده : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد ، وفيه العنعنة في أربعة مواضع ، وفيه أن رواته كلهم مدنيون .

                                                                                                                                                                                  ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره : قد ذكرنا في باب جهر الإمام والناس بالتأمين أن مسلما وأبا داود والترمذي والنسائي أخرجوه ، وكذلك ذكرنا جميع ما يتعلق به هناك ، وقال الخطابي : هذا لا يخالف ما قال : إذا أمن الإمام فأمنوا لأنه نص بالتعيين مرة ودل بالتقدير أخرى ، فكأنه قال : إذا قال الإمام ولا الضالين وأمن فقولوا آمين ، ويحتمل أن يكون الخطاب في حديث أبي صالح ، يعني حديث هذا الباب لمن تباعد من الإمام ، فكان بحيث لا يسمع التأمين لأن جهر الإمام به أخفض من قراءته على كل حال ، فقد يسمع قراءته من لا يسمع تأمينه إذا كثرت الصفوف وتكاثفت الجموع ، قلت : ذكر الخطابي الوجهين المذكورين بالاحتمال الذي لا يدل عليه ظاهر ألفاظ الحديثين ، فإن كان يؤخذ هذا بالاحتمال فنحن أيضا نقول : يحتمل أن الجهر فيه لأجل تعليمه الناس بذلك ; لأنا لا ننازع في استحباب التأمين للإمام وللمأموم أيضا ، وإنما النزاع في الجهر به ، فنحن اخترنا الإخفاء لأنه دعاء ، والسنة في الدعاء الإخفاء ، والدليل على أنه دعاء : قوله تعالى في سورة يونس : قد أجيبت دعوتكما قال أبو العالية وعكرمة ومحمد بن كعب والربيع بن موسى : كان موسى صلى الله عليه وسلم يدعو وهارون يؤمن ، فسماهما الله تعالى داعيين ، فإذا ثبت أنه دعاء فإخفاؤه أفضل من الجهر به ، لقوله تعالى : ادعوا ربكم تضرعا وخفية على أنا ذكرنا أخبارا وآثارا فيما مضى تدل على الإخفاء ، فإن قلت : تظاهرت الأحاديث بالجهر ، منها ما رواه الطبري في التهذيب من حديث علي رضي الله تعالى عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قال ولا الضالين قال آمين ومد بها صوته " ومنها ما روى ابن ماجه أيضا " عن علي رضي الله تعالى عنه ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال ولا الضالين قال آمين " ومنها ما رواه البيهقي في المعرفة " عن ابن أم الحصين ، عن أمه أنها صلت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول آمين ، وهي في صف النساء " قلت : كذلك تظاهرت الآثار بالإخفاء كما ذكرنا ، وحديث الطبري فيه ابن أبي ليلى ، وهو ممن لا يحتج به ، والمعروف عنه أيضا بخلافه ، وحديث ابن ماجه أيضا ، قال البزار في سننه : هذا حديث لم يثبت من جهة النقل ، وحديث أم الحصين يعارضه حديث وائل " أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قال ولا الضالين قال آمين ، وخفض بها صوته " والرجال أدرى بحال النبي صلى الله عليه وسلم من النساء ، وقال النووي : في هذا الحديث دلالة ظاهرة على أن تأمين المأموم يكون مع تأمين الإمام لا بعده ، قلت : بل الأمر بالعكس لأن الفاء في الأصل للتعقيب ، وقال أيضا : وأولوا إذا أمن بأن معناه إذا أراد التأمين جمعا بين الحديثين ، قلت : لا خلاف بين الحديثين حتى يحتاج إلى هذا التأويل الذي هو خلاف الظاهر ; لأن كلا منهما ورد في حالة ; لأنه في حالة أمر المأموم بالتأمين وسكت عن تأمين الإمام ، وفي حالة بين أن الإمام أيضا يؤمن ، والمقصود استحباب التأمين للإمام وللمأموم ، وثبت ذلك بالحديثين المذكورين فافهم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية