الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
19090 8394 - (19587) - (4 \ 401) عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسط ويرفعه. حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره " ثم قرأ أبو عبيدة نودي أن بورك من في النار، ومن حولها، وسبحان الله رب العالمين [النمل: 8].

التالي السابق


* قوله: "حجابه النار": الحجاب: هو الحائل بين الرائي والمرئي، والمراد هاهنا: هو المانع للخلق عن إبصاره في دار الفناء، ولا كلام في دار البقاء، فلا يرد أن الحديث يدل على امتناع الرؤية في الآخرة، وكذا لا يرد أنه ليس له مانع عن الإدراك، فكيف قيل: حجابه؟ ثم إنه جاء في روايات هذا الحديث: "حجابه النور" وفي هذه الرواية: "النار" موضع "النور" والمراد واحد، والمعنى: أنه حجابه على خلاف الحجب المعهودة، فهو محتجب عن الخلق بأنوار عزه وجلاله، وسعة عظمته وكبريائه، وذلك هو الحجاب الذي تدهش دونه العقول، وتذهب الأبصار، وتتحير الأبصار، ولو كشف ذلك الحجاب، وتجلى لما وراءه ما تجلى من حقائق الصفات وعظمة الذات، لم يبق مخلوق إلا احترق، وهذا معنى:

[ ص: 444 ] * قوله: "لو كشفها": أي: رفعها وأزالها، وهذا هو المتبادر من كشف الحجاب، ويفهم من كلام بعضهم أن المراد: لو أظهرها.

* "سبحات وجهه": السبحات - بضمتين - : جمع سبحة؛ كغرفة وغرفات، وفسر سبحات الوجه بجلالته، وقيل: أضواء وجهه، وقيل: محاسنه؛ لأنك إذا رأيت الوجه الحسن، قلت: سبحان الله، وقيل: قال بعض أهل التحقيق: إنها الأنوار التي إذا رآها الراؤون من الملائكة، سبحوا وهللوا؛ لما يروعهم من جلال الله وعظمته.

قلت: ظاهر الحديث يفيد أن سبحات الوجه لا تظهر لأحد، وإلا لأحرقت المخلوقات، فكيف يقال: إن الملائكة يرونها؟!

* "كل شيء أدركه بصره": أي: كل مخلوق أدرك ذلك المخلوق بصره تعالى، ومعلوم أن بصره محيط بجميع الكائنات، مع وجود الحجاب، فكيف إذا كشف؟! فهذا كناية عن هلاك المخلوقات أجمع، وقيل: المراد: أدرك الله تعالى بصر ذلك المخلوق؛ أي: كل من يراه يهلك، وكأنهم راعوا أن الحجاب مانع عن إبصارهم، فعند الرفع ينبغي أن يعتبر إبصارهم، وإلا فإبصاره تعالى دائمي، والله تعالى أعلم.

* * *




الخدمات العلمية