الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              117 (26) باب

                                                                                              ترك الصلاة جحدا أو تسفيها للأمر كفر

                                                                                              [ 63 ] عن جابر بن عبد الله ; قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة .

                                                                                              رواه أحمد ( 3 \ 289 ) ، ومسلم ( 82 ) ، وأبو داود ( 4678 ) ، والترمذي ( 2622 ) ، وابن ماجه ( 1078 ) .

                                                                                              [ ص: 271 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 271 ] (26) ومن باب : ترك الصلاة جحدا أو تسفيها للأمر كفر

                                                                                              (قوله : " بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة ") يعني : أن من ترك الصلاة ، لم يبق بينه وبين الكفر حاجز يحجزه عنه ، ولا مانع يمنعه منه ، أي : قد صار كافرا ; وهذا إنما يكون بالاتفاق فيمن كان جاحدا لوجوبها ، فأما لو كان معترفا بوجوبها ، متهاونا بفعلها ، وتاركا لها ، فالجمهور : على أنه يقتل إذا أخرجها عن آخر وقتها ، ثم هل يقتل كفرا ، أو حدا ؟ فممن ذهب إلى الأول : أحمد بن حنبل ، وابن المبارك ، وإسحاق ، وابن حبيب من أصحابنا ، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب ، وممن ذهب إلى الثاني : مالك ، والشافعي ، وكثير من أهل العلم ; قالوا : يقتل حدا إذا عرضت عليه فلم يفعلها ، ثم هل يستتاب أم لا ؟ قولان لأصحابنا .

                                                                                              وقال الكوفيون : لا يقتل ، ويؤمر بفعلها ، ويعزر حتى يفعلها . والصحيح : أنه ليس بكافر ; لأن الكفر الجحد كما تقدم ، وليس بجاحد ، ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال : خمس صلوات افترضهن الله على العباد ، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا ، كان له عند الله عهد أن يغفر له ، ومن لم يأت بهن ، فليس له على الله عهد ; إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه ; فهذا ينص على أن ترك الصلاة ليس بكفر ، وأنه مما دون الشرك الذي قال [ ص: 272 ] الله تعالى فيه : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [ النساء : 48 ] . واختلف العلماء في أخوات الصلاة من الفرائض ; كالزكاة ، والصيام ، والحج ، والوضوء ، والغسل من الجنابة ، هل يقتل الآبي من فعلها وإن اعترف بوجوبها ، أم يعاقب حتى يفعل ؟ وهل هو كافر أم عاص ؟ مذهب مالك : في أن من قال : لا أتوضأ ولا أصوم ، أنه يستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل ، وإن قال : لا أزكي ، أخذت منه كرها ، فإن امتنع ، قوتل ، فإن قال : لا أحج ، لم يجبر ; لكون فرضه على التراخي .

                                                                                              قال المؤلف - رحمه الله - : هكذا أطلق أئمتنا ، وينبغي أن يقال : إنه إذا انتهى الممتنع إلى حالة يخاف معها الفوت ; كالهرم ، والمرض ، حمل على الفعل ; لئلا يخلى زمانه عن الحج مع استطاعته ، وأما من يقول : إن الحج على الفور إذا حصلت الاستطاعة ، فقياس مذهبه : يقتضي أن يحمل على الفعل في تلك الحال ، لكن أصحابنا لم يقولوا به ، ولا كفروه بترك الحج كما فعلوا في الصلاة ; لأن كون وجوبه على الفور ليس بمعلوم التحديد والتوقيف من الشرع ; كما هو في الصلاة ، وإنما قيل ذلك بالاجتهاد والظن ، والله أعلم .

                                                                                              وقال ابن حبيب : من قال عند الإمام : لا أصلي وهي علي ، قتل ولا يستتاب ، وكذلك من قال : لا أتوضأ ، ولا أغتسل من الجنابة ، ولا أصوم . وقال أيضا : من ترك الصلاة متعمدا أو مفرطا : كافر ، ومن ترك أخواتها متعمدا ; من زكاة ، وحج ، وصوم : كافر ، وقاله الحكم بن عتيبة وجماعة من السلف .




                                                                                              الخدمات العلمية