الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      2068 حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح المصري حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء قالت يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها فتشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن قال عروة قالت عائشة ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فيهن فأنزل الله عز وجل ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن قالت والذي ذكر الله أنه يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى التي قال الله سبحانه فيها وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء قالت عائشة وقول الله عز وجل في الآية الآخرة وترغبون أن تنكحوهن هي رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن قال يونس وقال ربيعة في قول الله عز وجل وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى قال يقول اتركوهن إن خفتم فقد أحللت لكم أربعا

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( عن قوله وإن خفتم إلخ ) أي عن معنى هذه الآية ( يا ابن أختي ) : أسماء بنت أبي بكر ( هي اليتيمة ) : أي التي مات أبوها ( في حجر وليها ) : أي الذي يلي مالها ( بغير أن يقسط ) : أي بغير أن يعدل ، يقال قسط إذا جار وأقسط إذا عدل ، وقيل الهمزة فيه للسلب أي أزال القسط ورجحه ابن التين بقوله تعالى : ذلكم أقسط عند الله لأن أفعل في أبنية المبالغة لا يكون في المشهور إلا من الثلاثي . ثم حكى السيرافي جواز التعجب بالرباعي وحكى غيره أن قسط من الأضداد والله أعلم .

                                                                      ( فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ) هو معطوف على معمول بغير أي يريد أن يتزوجها بغير أن يعطيها مثل ما يعطيها غيره أي ممن يرغب في نكاحها سواه ( أعلى سنتهن ) : أي طريقتهن وعادتهن ( سواهن ) : أي سوى اليتامى من النساء بأي مهر توافقوا عليه ( قال عروة قالت عائشة ) : هو معطوف على الإسناد المذكور وإن كان بغير أداة عطف . قاله الحافظ في الفتح .

                                                                      ( ثم إن الناس استفتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : أي طلبوا منه الفتيا ( بعد هذه الآية ) : أي بعد [ ص: 59 ] نزول هذه الآية وهي : وإن خفتم إلى : ورباع ، فيهن : متعلق باستفتوا ( وترغبون أن تنكحوهن هي رغبة أحدكم عن يتيمته ) : فيه تعيين أحد الاحتمالين في قوله وترغبون لأن رغب يتغير معناه بمتعلقه ، يقال رغب فيه إذا أراده ورغب عنه إذا لم يرده ، لأنه يحتمل أن تحذف في وأن تحذف عن ، وقد تأوله سعيد بن جبير على المعنيين فقال نزلت في الغنية والمعدمة ، والمروي هنا عن عائشة أوضح في أن الآية الأولى نزلت في الغنية وهذه الآية نزلت في المعدمة ( فنهوا ) أي نهوا عن نكاح المرغوب فيها لجمالها ومالها لأجل زهدهم فيها إذا كانت قليلة المال والجمال ، فينبغي أن يكون نكاح اليتيمتين على السواء في العدل ( من أجل رغبتهم عنهن ) : زاد البخاري : إذا كن قليلات المال والجمال .

                                                                      وفي الحديث اعتبار مهر المثل في المحجورات وأن غيرهن يجوز نكاحها بدون ذلك .

                                                                      وفيه جواز تزويج اليتامى قبل البلوغ لأنهن بعد البلوغ لا يقال لهن يتيمات إلا أن يكون أطلق استصحابا لحالهن .

                                                                      ( قال يونس ) : هو ابن يزيد الراوي عن ابن شهاب ( وقال ربيعة ) : قال المنذري : وربيعة هذا يشبه أن يكون ابن أبي عبد الرحمن شيخ مالك رضي الله عنه ( قال يقول اتركوهن إن خفتم فقد أحللت لكم أربعا ) : حاصله أن جزاء قوله وإن خفتم محذوف وهو اتركوهن وأقيم مقامه قوله فانكحوا ما طاب لكم .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي .




                                                                      الخدمات العلمية