الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر صفية بنت حيي فقيل له قد حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلها حابستنا فقالوا يا رسول الله إنها قد طافت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا إذا قال مالك قال هشام قال عروة قالت عائشة ونحن نذكر ذلك فلم يقدم الناس نساءهم إن كان ذلك لا ينفعهن ولو كان الذي يقولون لأصبح بمنى أكثر من ستة آلاف امرأة حائض كلهن قد أفاضت

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          945 930 - ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر صفية بنت حيي ) بضم الحاء وفتح الياء الأولى وشد الثانية ، ولعل المراد بالذكر إرادة الوقاع ، كما في البخاري عن أبي سلمة عن عائشة : " وحاضت صفية فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - منها ما يريد الرجل من أهله " ( فقيل له ) وفي رواية أبي سلمة : فقلت : ( إنها قد حاضت ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لعلها حابستنا ) : مانعتنا من السفر ( فقالوا ) أي النسوة ، ومن معهن من المحارم بعد استفهامه عن طوافها كما مر في رواية عمرة : ( يا رسول الله إنها قد طافت ) طواف الإفاضة يوم النحر ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : فلا ) حبس علينا ( إذا ) بالتنوين ، لأنها فعلت الفرض ، وهذا الحديث رواه أبو داود عن القعنبي عن مالك به .

                                                                                                          وفي الصحيحين : عن الأسود عن عائشة : " حاضت صفية ليلة النفر ، فقالت : ما أراني إلا حابستكم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : عقرى حلقى ، أطافت يوم النحر ؟ قيل : نعم ، قال : فانفري " ، وفي مسلم عن عائشة : " لما أراد - صلى الله عليه وسلم - أن ينفر [ ص: 571 ] إذا صفية على باب خبائها كئيبة حزينة ، فقال : عقرا حلقا إنك لحابستنا ، ثم قال لها : أكنت أفضت يوم النحر ؟ قالت : نعم ، قال : فانفري " ، وفي رواية : فلا بأس انفري ، وأخرى : اخرجي ، وأخرى : فلتنفر ، وكلها بيان لرواية : فلا إذا ، ومعانيها متقاربة والمراد بها كلها : الرحيل إلى المدينة .

                                                                                                          وفي أحاديث الباب : أن طواف الإفاضة ركن ، وأن الطهارة شرط في صحته ، وأن طواف الوداع لا يجب ، وأن أمير الحاج يلزمه تأخير الرحيل لأجل الحائض ، قيده مالك بيومين فقط ، وإكرام صفية بالاحتباس كما احتبس بالناس على عقد عائشة ، وأما قوله : عقرى حلقى ، بالفتح فيهما ثم السكون والقصر بلا تنوين ، في الرواية ، ويجوز لغة التنوين ، وصوبه أبو عبيد ، لأن معناه الدعاء بالعقر والحلق ، كسقيا ورعيا من المصادر التي يدعى بها ، وعلى الأول هو نعت لا دعاء ومعناها : عقرها الله ، أي جرحها ، أو جعلها عاقرا لا تلد ، أو عقر قومها ، ومعنى حلقى : حلق شعرها وهو زينة المرأة ، وأصابها وجع في حلقها ، أو حلق قومها ، أي أهلكهم ، وحكي أنها كلمة يقولها اليهود للحائض ، فلا دلالة فيه على وضيعة صفية عنده ، لأن ذلك أصل هاتين الكلمتين ، ثم اتسع العرب في قولهما بغير إرادة حقيقتهما كما قالوا : قاتله الله ، وتربت يداك ونحوهما .

                                                                                                          وقول القرطبي وغيره : شتان بين قوله - صلى الله عليه وسلم - هذا لصفية ، وبين قوله لعائشة لما حاضت في الحج : هذا شيء كتبه الله على بنات آدم لما فيه من الميل لها والحنو عليها ، بخلاف صفية ، تعقبه الحافظ بأنه ليس فيه دليل على اتضاع قدر صفية عنده ، لكن اختلف الكلام باختلاف المقام ، فعائشة دخل عليها ، وهي تبكي أسفا على ما فاتها من النسك فسلاها بذلك ، وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله ، فأبدت المانع فناسب كلا منهما ما خاطبها به في تلك الحالة .

                                                                                                          ( قال مالك : قال هشام قال عروة قالت عائشة : ونحن نذكر ذلك ) الحديث ، جملة حالية ومقولها هو : ( فلم يقدم الناس نساءهم إن كان ذلك لا ينفعهن ، ولو كان الذي يقولون ) من وجوب طواف الوداع ( لأصبح بمنى أكثر من ستة آلاف امرأة حائض كلهن قد أفاضت ) ولابن وضاح : قد أفضن ، أي لو كان طواف الوداع واجبا ، لأصبح بمنى هذا العدد ينتظرن الطهر حتى يطفن للوداع ، لكنه لم يكن ذلك ، فدل أنه ليس بواجب ، وكذا يدل عليه أن المكي ليس عليه وداع ، وكذا من حج من غيرها ، ولم يرد الخروج ، إذ لو كان من أمر الحج لكان على المكي وغيره .




                                                                                                          الخدمات العلمية