الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة أنه قال من سبح دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وكبر ثلاثا وثلاثين وحمد ثلاثا وثلاثين وختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          488 491 - ( مالك عن أبي عبيد ) بضم العين ، المذحجي ( مولى سليمان بن عبد الملك ) وحاجبه ، قيل اسمه عبد الملك ، وقيل حي ، وقيل حيي ، وقيل حوي ، ثقة ، مات بعد المائة .

                                                                                                          ( عن عطاء بن يزيد الليثي ) المدني ، نزيل الشام ، ثقة من رجال الجميع ، مات سنة سبع أو خمس ومائة وقد جاز الثمانين ( عن أبي هريرة أنه قال ) موقوفا ، قال ابن عبد البر : ومثله لا يدرك بالرأي ، وقد صح من وجوه كثيرة ثابتة عن أبي هريرة وعلي وعبد الله بن عمر وكعب بن عجرة وغيرهم ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ( من سبح ) أي قال سبحان الله ( دبر ) بضم الدال والموحدة وقد تسكن ، أي عقب ( كل صلاة ) ظاهره فرضا أو نفلا ، وحمله أكثر العلماء على الفرض لقوله في حديث كعب بن عجرة عند مسلم : مكتوبة فحملوا المطلقات عليها ، قال الحافظ : وعليه ، فهل تكون الراتبة بعد المكتوبة فاصلا بينها وبين الذكر أو لا ؟ محل نظر ، قال : [ ص: 34 ] ومقتضى الحديث أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة ، فإن تأخر عنه وقل بحيث لا يكون معرضا أو كان ناسيا أو متشاغلا بما ورد أيضا بعد الصلاة كآية الكرسي ، فلا يضر ( ثلاثا وثلاثين وكبر ) أي قال الله أكبر ( ثلاثا وثلاثين وحمد ) قال الحمد لله ( ثلاثا وثلاثين ) هكذا بتقديم التكبير على التحميد ، ومثله في رواية لمسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا .

                                                                                                          وفي أبي داود من حديث أم الحكم ، وله من حديث أبي هريرة : يكبر ويحمد ويسبح ، وكذا في حديث ابن عمر ، وفي أكثر الروايات تقديم التسبيح على التحميد وتأخير التكبير ، وهذا الاختلاف دال على أن لا ترتيب فيها ، ويستأنس لذلك بقوله في حديث : " الباقيات الصالحات لا يضرك بأيهن بدأت " لكن يمكن أن يقال الأولى البداءة بالتسبيح لتضمنه نفي النقائص ، ثم التحميد لتضمنه إثبات الكمال له ، إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال ، ثم التكبير إذ لا يلزم من إثبات الكمال ونفي النقائص أن لا يكون هناك كبير آخر ، ثم يختم بالتهليل الدال على انفراده تعالى بجميع ذلك كما قال .

                                                                                                          ( وختم المائة بلا إله إلا الله وحده ) على الحال ، أي منفردا ( لا شريك له ) عقلا ونقلا ، وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ( قل هو الله أحد ) ( سورة الإخلاص : الآية 1 ) ( إنما هو إله واحد ) ( سورة الأنعام : الآية 19 ) وغير ذلك من الآي . ( له الملك ) بضم الميم ، أي أصناف المخلوقات . ( وله الحمد ) زاد الطبراني من حديث المغيرة : " يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير " ( وهو على كل شيء قدير ) ، ولمسلم في حديث كعب بن عجرة ، والنسائي في حديثي أبي الدرداء وابن عمر : يكبر أربعا وثلاثين ، ويخالفه قوله ويختم . . . إلخ ، وهو في مسلم من حديث عطاء بن يزيد عن أبي هريرة ، ومثله لأبي داود في حديث أم الحكم ، ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذر ، قال النووي : ينبغي أن يجمع بين الروايتين بأن يكبر أربعا وثلاثين ويقول معها لا إله إلا الله . . . إلخ . وقال غيره : بل يجمع بأن يختم مرة بزيادة لا إله إلا الله . . . إلخ ، على وفق ما وردت به الأحاديث . ( غفرت ذنوبه ) الصغائر حملا على النظائر ( ولو كانت مثل زبد البحر ) وهو ما يعلو عليه عند هيجانه .

                                                                                                          وظاهر سياق هذا الحديث أنه يسبح ثلاثا وثلاثين متوالية ، ثم كذلك ما بعدها ، وقيل : يجمع في كل مرة بين التسبيح وما بعده إلى تمام الثلاثة وثلاثين ، واختاره بعضهم للإتيان فيه بواو العطف فيقول : سبحان الله والحمد لله والله أكبر ، لكن الروايات الثابتة للأكثر بالإفراد ، قال عياض : وهو أرجح . قال الحافظ : ويظهر أن كلا من الأمرين حسن [ ص: 35 ] لكن يتميز الإفراد بأن الذاكر يحتاج إلى العدد ، وله على كل حركة لذلك سواء كانت بأصابعه أو بغيرها ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلث .

                                                                                                          وفي رواية : إن كلا من التسبيح والتحميد والتكبير أحد عشر ، وفي روايات عشرا عشرا . وجمع البغوي باحتمال أنه صدر في أوقات متعددة أولها عشرا ثم إحدى عشرة ثم ثلاثا وثلاثين ، ويحتمل أن ذلك على سبيل التخيير أو يفترق بافتراق الأحوال .

                                                                                                          وفي حديث زيد بن ثابت وابن عمر : " أنه ، صلى الله عليه وسلم ، أمرهم أن يقولوا كل ذكر منها خمسا وعشرين ويزيدوا فيها لا إله إلا الله خمسا وعشرين " رواهما النسائي وغيره .

                                                                                                          قال بعض العلماء : الأعداد الواردة في الأذكار كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص فزاد الآتي بها على العدد لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص لاحتمال أن لتلك الأعداد حكما وخاصية تفوت بمجاوزة العدد ، ونظر فيه الحافظ العراقي بأنه أتى بالقدر الذي رتب الثواب على الإتيان به فحصل له ثواب ، فإذا زاد عليه من جنسه كيف تزيل الزيادة ذلك الثواب بعد حصوله ؟ قال الحافظ : ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية ، فإذا نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ، ثم أتى بالزيادة لم يضر ، وإن نوى الزيادة ابتداء بأن يكون الثواب رتب على عشرة مثلا فذكر هو مائة فيتجه القول الماضي ، وبالغ القرافي في القواعد فقال : من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعا ; لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئا أن يوقف عنده ، ويعد الخارج عنه مسيئا للأدب ، انتهى .

                                                                                                          ومثله بعضهم بالدواء يكون فيه مثلا أوقية سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى تخلف الانتفاع به ، فلو اقتصر على الأوقية في الدواء ثم استعمل من السكر بعد ذلك ما شاء فلم يتخلف الانتفاع ، ويؤكد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص مع طلب الإتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في ذلك من قطع الموالاة لاحتمال أن للموالاة حكمة خاصة تفوت بفواتها ، والله أعلم ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية