الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وقال ) الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة ( الترمذي ) بكسر المثناة والميم ، وقيل : بضمهما وقيل : بفتح ثم كسر ، كلها مع إعجام الذال ، نسبة لمدينة قديمة على طرف جيحون نهر بلخ ، أحد تلامذة البخاري ، الآتي ذكره في تاريخ الرواة والوفيات في العلل التي بآخر ( جامعه ) مما حاصله : وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن ، فهو عندنا ( ما سلم من الشذوذ ) يعني بالتفسير الماضي في الصحيح ( مع راو ) أي : مع أن رواة سنده كل منهم .

( ما اتهم بكذب ) فيشمل ما كان بعض رواته سيئ الحفظ ممن وصف بالغلط أو الخطأ ، أو مستورا لم ينقل فيه جرح ولا تعديل ، وكذا إذا نقلا ولم يترجح أحدهما على الآخر ، أو مدلسا بالعنعنة ، أو مختلطا بشرطه ; لعدم منافاتهما اشتراط نفي الاتهام بالكذب .

ولأجل ذلك ، مع اقتضاء كل منهما التوقف عن الاحتجاج به ; لعدم الضبط في سيئ الحفظ والجهل بحال المستور والمدلس ، وكذا لشموله ما به انقطاع بين ثقتين حافظين ، والمرسل الذي يرسله إمام حافظ ; لعدم اشتراطه الاتصال - اشترط ثالثا فقال : ( ولم [ ص: 89 ] يكن فردا ورد ) .

بل جاء أيضا من وجه آخر فأكثر فوقه أو مثله لا دونه ; ليترجح به أحد الاحتمالين ; لأن سيئ الحفظ مثلا حيث يروي يحتمل أن يكون ضبط المروي ، ويحتمل ألا يكون ضبطه ، فإذا ورد مثل ما رواه أو معناه من وجه آخر ، غلب على الظن أنه ضبط .

وكلما كثر المتابع ، قوي الظن ، كما في أفراد المتواتر ; فإن أولها من رواية الأفراد ، ثم لا تزال تكثر إلى أن يقطع بصدق المروي ، ولا يستطيع سامعه أن يدفع ذلك عن نفسه .

على أنه يمكن إخراج اشتراط الاتصال من اشتراط عدم الاتهام في رواته ; لتعذر الحكم به مع الانقطاع ، كما مضى في تعذر معرفة المخرج معه ، ولكن ما جزمت به هو المطابق لما في جامعه ، فقد حكم بالحسن مع وجود الانقطاع في أحاديث ، بل وكذا في كل ما لا ينافيه نفي الاتهام مما صرحت به .

وحينئذ فقد تبين عدم كون هذا التعريف جامعا للحسن بقسميه ، فضلا عن دخول الصحيح بقسميه ، وإن زعمه بعضهم ، فراويه لا يكتفى في وصفه بما ذكر ، بل لا بد من وصفه بما يدل على الإتقان .

( قلت و ) مع اشتراط الترمذي عدم التفرد فيه ( قد حسن ) في جامعه ( بعض ما انفرد ) راويه به من الأحاديث بتصريحه هو بذلك ، حيث يورد الحديث ، ثم يقول عقبه : إنه حسن غريب ، أو حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

ولكن قد أجاب عنه ابن سيد الناس : بأنه عرف ما يقول فيه : حسن فقط من غير صفة أخرى لا الحسن مطلقا .

وتبعه شيخنا ، مع تردده في سبب اقتصاره عليه ، وإنه إما لغموضه ، أو لأنه اصطلاح جديد له ، وهو الذي اقتصر عليه ابن سيد الناس ، بل خصه بـ ( جامعه ) فقط ، وقال : إنه لو حكم في غيره من كتبه على حديث بأنه حسن ، وقال قائل : [ ص: 90 ] ليس لنا أن نفسر الحسن هناك بما هو مفسر به هنا إلا بعد البيان ، لكان له ذلك .

ولكن يتأيد الأول بقول المصنف في الكبير : الظاهر أنه لم يرد بقوله : " عندنا " حكاية اصطلاحه مع نفسه ، وإنما أراد عند أهل الحديث ; كقول الشافعي : وإرسال ابن المسيب عندنا ، أي أهل الحديث ، فإنه كالمتفق عليه بينهم . انتهى .

ويبعده قوله : ( وما ذكرنا ) ، وكذا قوله : " فإنما أردنا به " ، وحينئذ فالنون لإظهار نعمة التلبس بالعلم المتأكد تعظيم أهله ، عملا بقوله تعالى : وأما بنعمة ربك فحدث [ الضحى : 11 ] مع الأمن من الإعجاب ونحوه ، المذموم معه مثل هذا ، [ لا سيما والعرب - كما في البخاري في : إنا أنزلناه من التفسير - تؤكد فعل الواحد ، فتجعله بلفظ الجميع ; ليكون أثبت وأوكد ] ، وعلى كل حال فما اقتصر عليه الترمذي أليق ، كما سيأتي في الشاذ .

( وقيل ) : مما عزاه ابن الصلاح لبعض المتأخرين مريدا به الحافظ أبا الفرج بن الجوزي ; حيث قال في تصنيفيه ( الموضوعات والعلل المتناهية ) : الحسن ( ما ضعف قريب محتمل ) بفتح الميم ( فيه ) .

وهذا كلام صحيح في نفسه ، لكنه ليس على طريقة التعاريف ; فإن هذه صفة الحسن الموصوف بالحسن إذا اعتضد بغيره ، حتى لو انفرد لكان ضعيفا ، واستمر على عدم الاحتجاج به ، على أنه يمكن أن يقال : إنه صفة الحسن مطلقا ، فالحسن لذاته إذا عارض الصحيح ، كان مرجوحا ، والصحيح راجحا .

فضعفه بالنسبة لما هو أرجح منه ، والحسن لغيره أصله ضعيف ، وإنما طرأ عليه الحسن بالعاضد الذي [ ص: 91 ] عضده ، فاحتمل لوجود العاضد ، ولولا العاضد لاستمرت صفة الضعف فيه .

ولكن مع ما تكلفناه في هذه الأقوال الثلاثة ( ما بكل ذا ) أي : ما تقدم ( حد ) صحيح جامع للحسن ( حصل ) ، بل هو مستبهم لا يشفي الغليل ، يعني لعدم ضبط القدر المحتمل من غيره بضابط في آخرها ، وكذا في الشهرة في أولها ، ولغير ذلك فيهما ، وفي تعريف الترمذي ، زعم بعض الحفاظ أنه أجودها ، ولذلك قال ابن دقيق العيد : إن في تحقيق معناه اضطرابا .

التالي السابق


الخدمات العلمية