الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 273 ] القول في الإدغام

                                                                                                                                                                                                                                      الاختلاف عن القراء السبعة في هذا الباب كثير،
                                                                                                                                                                                                                                      وأنا أعول منه في هذا المختصر على ذكر الروايات المستعملة على أشهر الطرق، ولا أتقصى الاختلاف إن شاء الله.

                                                                                                                                                                                                                                      فأول ذلك: إدغام الحروف السواكن:

                                                                                                                                                                                                                                      منه: دال قد : أظهرها عند السين، والشين، والصاد، والجيم: نافع، وابن كثير، وعاصم، وابن ذكوان، وأدغم الباقون، وأظهرها عند الذال والزاي: نافع، وابن كثير، وعاصم، وأدغم الباقون، وأظهرها عند الظاء والضاد: ابن كثير، وعاصم، وقالون، وأدغم الباقون.

                                                                                                                                                                                                                                      وخالف هشام أصله، فأظهر لقد ظلمك [ص: 24]، وروى المسيبي عن نافع: إظهار الدال من قد عند التاء; نحو: قد تبين [البقرة: 256].

                                                                                                                                                                                                                                      ومنه: ذال إذ : أدغمها عند السين، والصاد، والزاي: أبو عمرو، والكسائي، وخلاد عن سليم عن حمزة، وهشام عن ابن عامر، وأظهر الباقون، وأدغمها عند الجيم: أبو عمرو، وهشام، وأظهرها الباقون، وأظهر عند التاء:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 274 ] نافع، وابن كثير، وعاصم، وابن ذكوان، وأدغم الباقون، وأظهرها عند الدال: نافع، وابن كثير، وعاصم، وأدغم الباقون.

                                                                                                                                                                                                                                      ومنه: تاء التأنيث: أدغمها عند السين، والرازي، والجيم: أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأظهر الباقون، وأظهرها عند الظاء: ابن كثير، وعاصم، وقالون، وأدغم الباقون، [وأظهرها عند الثاء، والصاد: نافع، وابن كثير، وعاصم، وأدغم الباقون، وروى المسيبي عن نافع: إظهارها عند الدال].

                                                                                                                                                                                                                                      ومنه: لام هل ، و بل : أدغمها عند التاء، والثاء، والسين،: حمزة، والكسائي، وهشام، وأدغمها عند الطاء، والظاء، والزاي: الكسائي، وهشام، وأدغمها عند النون، والضاد: الكسائي وحده.

                                                                                                                                                                                                                                      وخالف أبو عمرو، فأدغم هل ترى من فطور [الملك: 3]، و فهل ترى لهم من باقية [الحاقة: 8]، وخالف هشام، فأظهر في أم هل تستوي الظلمات والنور [الرعد: 16].

                                                                                                                                                                                                                                      ومنه: النون الساكنة والتنوين: أجمعوا على إظهارهما عند حروف الحلق الستة، سوى مذهب ورش في نقل الحركة، وعلى إدغامهما عند هجاء (يرملون)، والنون تدغم عند مثلها; كما يدغم كل حرف ساكن لقي مثله.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 275 ] والإدغام في المشهور عنهم: في الراء واللام بغير غنة، وفي الميم والنون بغنة.

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف في الواو والياء; فروى خلف، عن سليم، عن حمزة: الإدغام بغير غنة، والباقون: بغنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وأجمعوا على قلب النون والتنوين ميما إذا جاءت بعدهما الباء; نحو: من بعد [البقرة: 27]، و صم بكم [البقرة: 18]، وعلى إخفائهما عند سائر الحروف سوى ما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومنه: حروف منفردة: أظهرها نافع، وابن كثير، وعاصم: لبثت [البقرة: 259]، و لبثتم [الإسراء: 52]، و ومن يرد ثواب [آل عمران: 145].

                                                                                                                                                                                                                                      وأظهر ابن كثير، وحفص: اتخذتم [البقرة: 51]، و أخذت [فاطر: 26]، و اتخذت [الشعراء: 29]، ونظائره.

                                                                                                                                                                                                                                      وأظهر ابن كثير، وورش، وهشام: يلهث ذلك [الأعراف: 176].

                                                                                                                                                                                                                                      وأظهر ورش: ويعذب من يشاء [البقرة: 284].

                                                                                                                                                                                                                                      وأظهر ورش، وابن عامر، وحمزة: اركب معنا [هود: 42].

                                                                                                                                                                                                                                      [وأدغم أبو عمرو، والكسائي، وحمزة: عذت بربي [غافر: 27]، و فنبذتها [طه: 96]، و أورثتموها [الأعراف: 43]، ووافقهم هشام في أورثتموها خاصة].

                                                                                                                                                                                                                                      وأدغم الليث عن الكسائي: ومن يفعل ذلك [البقرة: 231]، وأدغم الكسائي:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 276 ] نخسف بهم [سبأ: 9].

                                                                                                                                                                                                                                      وأدغم أبو عمرو، وحمزة: بيت طائفة [النساء: 81].

                                                                                                                                                                                                                                      وأدغم أبو عمرو، والكسائي، وخلاد عن سليم، عن حمزة: الباء الساكنة عند الفاء; نحو: أو يغلب فسوف نؤتيه [النساء: 74]، وهو خمسة مواضع في القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وأظهر نافع، وابن كثير، وعاصم: كهيعص ذكر [مريم: 1 - 2].

                                                                                                                                                                                                                                      وأدغم ابن عامر، وأبو بكر، والكسائي: يس والقرآن [يس: 1 - 2].

                                                                                                                                                                                                                                      و ن والقلم [القلم: 1 - 2]، والصحيح عن ورش: إدغام يس والقرآن ، وإظهار ن والقلم ، وأظهر حمزة النون من هجاء: طسم [الشعراء: 1].

                                                                                                                                                                                                                                      وأدغم حمزة: والصافات صفا * فالزاجرات زجرا * فالتاليات ذكرا [الصافات: 1 - 3]، والذاريات ذروا [الذاريات: 1].

                                                                                                                                                                                                                                      وأدغم أبو عمرو الراء الساكنة في اللام; نحو: يغفر لكم [الأحقاف: 31]، باختلاف عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 277 ] هذه مذاهبهم في الحروف السواكن، وقد ذكرت في “الكبير” ما وقع في ذلك من اختلاف الرواة، وما زاد عليه من القراءات الخارجة عن السبع المستعملة.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما إدغام الحروف المتحركة، وهو مذهب أبي عمرو في الإدغام الكبير; فاختصاره: أنه كان يدغم الحرف في مثله; نحو: الرحيم * ملك [الفاتحة: 3 - 4]، و وقيل لهم [آل عمران: 167]، وشبه ذلك، ويشير إلى كسرة الحرف المدغم وضمته إلا في الياء والميم خاصة، ولا يشير إلى الفتحة.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن سكن ما قبل الحرف الأول، والساكن حرف مد ولين; مده، وإن كان حرف سلامة; فقد روي عنه الإدغام، وعبر الحذاق عنه بالإخفاء.

                                                                                                                                                                                                                                      [واستثنى الرواة عنه من المثلين -فيما قرأنا به- أشياء، فلم يدغموها; منها: تاء المخاطب]; نحو: أفأنت تسمع [يونس: 42]، والفعل المنقوص; نحو: كنت ترابا [النبأ: 40]، وما حال فيه بين الحرفين تنوين; نحو: من أنصار * ربنا [آل عمران: 192 - 193]، والمشدد; نحو الحق قالوا [الزخرف: 30].

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 278 ] واختار ابن مجاهد ترك إدغام ما سقط بعده حرف للجزم; نحو: يخل لكم [يوسف: 9]، وكره ابن مجاهد أيضا إدغام: يحزنك كفره [لقمان: 23]; من أجل إخفاء النون في الكاف.

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف عن أبي عمرو في الواو والياء; فروي في اللتين حركة ما قبلهما من جنسهما; نحو: هو والملائكة [آل عمران: 18]، و يأتي يوم [البقرة: 254]: الإظهار والإدغام، إلا أن تكونا ساكنتين; فلا يدغم; نحو: آمنوا وعملوا [البقرة: 25]، و في يوسف [يوسف: 7]، فإن سكن ما قبلهما; فقد روي عنه الإدغام، ومعناه الإخفاء; كما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      ويدغم هاء الكناية في مثلها بعد حذف الصلة.

                                                                                                                                                                                                                                      وجميع ما ذكرناه من الإدغام في المثلين إنما هو في ما كان من كلمتين، فأما ما كان من كلمة; فلم يدغم إلا في موضعين; وهما: مناسككم [البقرة: 200]، و سلككم [المدثر: 42].

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية