الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ومن خص إمالة الكافرين [البقرة: 34] دون غيره; فلتوالي الكسرات بعد ألفه; ولذلك لم يمل الكافرون ، ولا أول كافر به [البقرة: 41]; لزوال كسرة الراء في الوقف، ولم يمل -من أمال الكافرين - الشاكرين [آل عمران: 144]، والذاكرين [الأحزاب: 35]; لقلة دورهما، والإمالة فيما كثر دوره أولى; لأنها تخفيف، وما قل لم يستثقل.

                                                                                                                                                                                                                                      وعلة إمالة ذوات الياء معروفة; وهي الدلالة، وقد تقدم ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      والمواضع التي خالف حمزة فيها أصله: منها ما قصد به الجمع بين اللغتين; [ ص: 258 ] نحو: هدان [الأنعام: 80]، و آتاني [مريم: 30]، ومنها ما له فيها علة; كقوله: هداي [البقرة: 38]، ومحياي [الأنعام: 162]، و مثواي [يوسف: 23]; فإنه ترك إمالتها; لئلا تشبه بالإمالة لغة من قال: {هدي}; ولذلك فتح أبو عمرو (يا بشراي) [يوسف: 19].

                                                                                                                                                                                                                                      واختصاص أبي عمرو إمالة ما قبل ألفه راء من الألفات دون ما لا راء قبل ألفه; لأن العرب تؤثر الإمالة في الراء، ومن أجلها، روى ذلك الكسائي وغيره من أهل العربية.

                                                                                                                                                                                                                                      وإمالة رأى [الأنعام: 76] وجهها: حمل الماضي على المستقبل; [لأن من أصله إمالة المستقبل]، وفتح رائه; لتوالي الكسرات، ومن أمال فتحة الراء; فهو الذي قدمنا أنه أماله لإمالة; ليكون اللسان عاملا عملا واحدا، ولم يفعل ذلك في نحو: رمى [الأنفال: 17]; لأن الهمزة أقوى في جذب الراء إلى حكمها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 259 ] ومن أمال الراء في نحو: رأى القمر [الأنعام: 77] في الوصل; فليدل على المحذوف الموجب للإمالة; كما قالوا: (شهد) في (شهد)، فكسروا الشين بعد إسكان الهاء الموجبة لكسرها.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أمال رأى وهو لا يميل نظيره، ولا مستقبله; فعلى وجه الجمع بين اللغتين، وكذلك القول لكل من أمال شيئا وفتح مثله.

                                                                                                                                                                                                                                      وإمالة أبي عمرو أعمى الأول من (بني إسرائيل) [الإسراء: 72]; لأن معناهما مختلف; لأن الأول نعت; ومعناه: العمى عن الهدى، وهو مجاز، ولا يبنى منه (أفعل منك)، والثاني يراد به: عمى العين، فهو يستعمل منه (أفعل منك)، فـ (من) محذوفة مقدرة; كما كانت في نحو: (الله أكبر)، ففرق بين لفظيهما بالإمالة; لاختلاف معنييهما، وكان الأول أولى بالإمالة; لأن الألف فيه طرف، والأطراف مواضع التغيير، وألف الثاني في تقدير متوسط; للحذف المقدر بعدها.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول: إن علة إمالة ألف التأنيث رجوعها إلى الياء في بعض الأحوال، وكذلك ألف نحو: يتامى [النساء: 127] و سكارى [النساء: 43].

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 260 ] وجعل أبي عمرو الألف بين اللفظين في نحو: (سلوى)، و إحدى [الأنفال: 7]، و الدنيا [البقرة: 85]، ولم يمل; كراهة أن يرجع إلى مثل ما فروا منه; وهو الياء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقراءته هو ومن وافقه ما توالى في رؤوس الآي من ذوات الياء بين اللفظين; لأن رؤوس الآي مواضع للوقف، والألف تخفى في الوقف، فقربها من الياء; للبيان، ونظيره قول من قال في الوقف: (أفعى)، دون الوصل، هذا على أنه نوى الوقف على هذه المواضع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقراءته ما وقع بين ذوات الياء من ذوات الواو بين اللفظين; ليوافق بين لفظ رؤوس الآي، ولأن ذوات الواو ترجع إلى الياء في بعض الأحوال; كما قدمناه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أمال شاء [البقرة: 20]، و جاء [النساء: 43]، وأخواتهما; فلاجتماع علتين: انقلاب الألف التي هي عين عن الياء، وانكسار الفاء في نحو (شئت)، و (جئت)، وهاتان العلتان في الأفعال المذكورة كلها سوى خاف [ ص: 261 ] [البقرة: 182]; فهو من ذوات الواو، وليس فيه إلا سبب واحد، ومن خص شاء ، و جاء ; فلكثرة دورهما، ومن خص بعضا دون بعض; فللجمع بين اللغتين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية