المسألة الثالثة : اعلم أنا قد قدمنا ثبوت الزنا بالبينة والإقرار ، ولا خلاف في ثبوته بكل واحد منهما إن وقع على الوجه المطلوب ، أما
nindex.php?page=treesubj&link=10340ظهور الحمل بامرأة ، لا يعرف لها زوج ولا سيد ، فقد اختلف العلماء في ثبوت الحد به ، فقال بعض أهل العلم : الحبل في التي لا يعرف لها زوج ولا سيد يثبت عليها به الزنا ، ويجب عليها الحد به ، وقد ثبت هذا في حديث
عمر - رضي الله عنه - الذي قدمناه في قوله : إذا قامت البينة أو كان الحبل ،
[ ص: 391 ] أو الاعتراف . والحديث المذكور في الصحيحين وغيرهما كما تقدم ، وقد صرح فيه أمير المؤمنين
عمر - رضي الله عنه - ، بأن الحبل الذي هو الحمل يثبت به الزنا كما يثبت بالبينة والإقرار ، وممن ذهب إلى أن الحبل يثبت به الزنا ،
عمر - رضي الله عنه - كما رأيت ،
ومالك وأصحابه ، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وجماهير أهل العلم إلى أنه لا يثبت الزنا ولا يجب الحد بمجرد الحبل ، ولو لم يعرف لها زوج ولا سيد ، وهذا القول عزاه
النووي في شرح
مسلم nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ،
وأبي حنيفة ، وجماهير أهل العلم ، وإذا عرفت أقوال أهل العلم في هذه المسألة ، فهذه أدلتهم .
أما الذين قالوا : إن الزنا يثبت بالحمل ، إن لم يكن لها زوج ولا سيد ، فقد احتجوا بحديث
عمر المتفق عليه المتقدم وفيه التصريح من
عمر بأن الحبل يثبت به الزنا ، كالبينة والإقرار .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " : إنما قال من قال : بوجوب الحد وثبوت الزنا بالحمل ، لقول
عمر - رضي الله عنه - ، والرجم واجب على كل من زنى من الرجال والنساء ، إذا كان محصنا ، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ، وروي أن
عثمان أوتي بامرأة ولدت لستة أشهر فأمر بها
عثمان أن ترجم ، فقال
علي : ليس لك عليها سبيل ، قال الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15وحمله وفصاله ثلاثون شهرا [ 46 \ 15 ] ، وهذا يدل على أنه كان يرجمها بحملها وعن
عمر نحو هذا ، وروي عن
علي - رضي الله عنه - أنه قال : يا أيها الناس إن الزنا زناءان : زنا سر ، وزنا علانية ، فزنا السر : أن يشهد الشهود ، فيكون الشهود أول من يرمي ، وزنا العلانية : أن يظهر الحبل أو الاعتراف ، فيكون الإمام أول من يرمي ، وهذا قول سادة الصحابة ولم يظهر في عصرهم مخالف ، فيكون إجماعا ، انتهى محل الغرض من " المغني " .
وانظر أسانيد الآثار التي ذكرها عن الصحابة ، هذا هو حاصل ما احتج به من قال : إن الزنا يثبت بالحمل .
وأما الذين قالوا : إن الحمل وحده لا يثبت به الزنا ، ولا يجب به الحد ، بل لا بد من البينة أو الإقرار ، فقد قال في " المغني " : حجتهم أنه يحتمل أن الحمل من وطء إكراه أو شبهة يسقط بالشبهات ، وقد قيل : إن المرأة تحمل من غير وطء بأن يدخل ماء الرجل في فرجها ، إما بفعلها ، أو فعل غيرها ، ولهذا تصور حمل البكر فقد وجد ذلك .
وأما قول الصحابة ، فقد اختلفت الرواية عنهم فروى
سعيد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15831خلف بن خليفة ،
[ ص: 392 ] حدثنا
هاشم : أن امرأة رفعت إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، ليس لها زوج ، وقد حملت فسألها
عمر ، فقالت : إنني امرأة ثقيلة الرأس وقع علي رجل ، وأنا نائمة فما استيقظت حتى فرغ ، فدرأ عنها الحد ، وروى
البراء بن صبرة ، عن
عمر أنه أوتي بامرأة حامل ، فادعت أنها أكرهت ، فقال : خل سبيلها ، وكتب إلى أمراء الأجناد ، ألا يقتل أحد إلا بإذنه .
وروي عن
علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس أنهما قالا : إذا كان في الحد لعل وعسى فهو معطل ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني بإسناده عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل ،
nindex.php?page=showalam&ids=27وعقبة بن عامر - رضي الله عنهم أنهم - قالوا : إذا اشتبه عليك الحد فادرأ ما استطعت ، ولا خلاف في أن
nindex.php?page=treesubj&link=10367_25855الحد يدرأ بالشبهات ، وهي متحققة هنا ، اهـ بلفظه من " المغني " .
وانظر أيضا أسانيد هذه الآثار التي ذكرها عن الصحابة ، وهذا الذي ذكر هو حاصل ما احتج به الجمهور الذين قالوا إن الحبل لا يثبت به الزنا .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : أظهر قولي أهل العلم عندي : أن الزنا لا يثبت بمجرد الحبل ، ولو لم يعرف لها زوج ولا سيد ; لأن الحمل قد يقع لا شك من غير وطء في الفرج ، بل قد يطأ الرجل المرأة في فخذيها ، فتتحرك شهوتها فينزل ماؤها وينزل الرجل ، فيسيل ماؤه فيدخل في فرجها ، فيلتقي ماؤه بمائها فتحمل من غير وطء وهذا مشاهد لا يمكن إنكاره .
ولأجل ذلك فالأصح أن الزوج إذا كان يطأ امرأته في الفخذين ، ولم يجامعها في الفرج فظهر بها حمل أنه لا يجوز له اللعان لنفي ذلك الحمل ; لأن ماءه قد يسيل إلى فرجها ، فتحمل منه ، وقول
عمر - رضي الله عنه - : إذا كان الحبل أو الاعتراف اجتهاد منه ; لأنه يظهر له - رضي الله عنه - أن
nindex.php?page=treesubj&link=10340الحمل يثبت به الزنا كالاعتراف والبينة .
وإنما قلنا : إن الأظهر لنا خلاف قوله - رضي الله عنه - ، لأنا نعلم أن وجود الحمل لا يستلزم الوطء في الفرج بل قد تحبل بدون ذلك ، وإذا كان الحبل لا يستلزم الوطء في الفرج فلا وجه لثبوت الزنا ، وإقامة الحد بأمر محتمل غير مستلزم لموجب الحد ، كما ترى .
ومن المعلوم أن الحدود تدرأ بالشبهات ، هذا هو الأظهر عندنا ، والعلم عند الله تعالى .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : اعْلَمْ أَنَا قَدْ قَدَّمْنَا ثُبُوتَ الزِّنَا بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ ، وَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِهِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِنْ وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ ، أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10340ظُهُورُ الْحَمْلِ بِامْرَأَةٍ ، لَا يُعْرَفُ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ثُبُوتِ الْحَدِّ بِهِ ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : الْحَبَلُ فِي الَّتِي لَا يُعْرَفُ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ يَثْبُتُ عَلَيْهَا بِهِ الزِّنَا ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِهِ ، وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا فِي حَدِيثِ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ : إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ ،
[ ص: 391 ] أَوْ الِاعْتِرَافُ . وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ ، وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، بِأَنَّ الْحَبَلَ الَّذِي هُوَ الْحَمْلُ يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا كَمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْحَبَلَ يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا ،
عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا رَأَيْتَ ،
وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ ، وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الزِّنَا وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ الْحَبَلِ ، وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ ، وَهَذَا الْقَوْلُ عَزَاهُ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=13790لِلشَّافِعِيِّ ،
وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَجَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَإِذَا عُرِفَتْ أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَهَذِهِ أَدِلَّتُهُمْ .
أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْحَمْلِ ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ ، فَقَدِ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ
عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ مِنْ
عُمَرَ بِأَنَّ الْحَبَلَ يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا ، كَالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابْنُ قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي " : إِنَّمَا قَالَ مَنْ قَالَ : بِوُجُوبِ الْحَدِّ وَثُبُوتِ الزِّنَا بِالْحَمْلِ ، لِقَوْلِ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَالرَّجْمُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ زَنَى مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إِذَا كَانَ مُحْصَنًا ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ ، وَرُوِيَ أَنَّ
عُثْمَانَ أُوتِيَ بِامْرَأَةٍ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَمَرَ بِهَا
عُثْمَانُ أَنْ تُرْجَمَ ، فَقَالَ
عَلِيٌّ : لَيْسَ لَكَ عَلَيْهَا سَبِيلٌ ، قَالَ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [ 46 \ 15 ] ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرْجُمُهَا بِحَمْلِهَا وَعَنْ
عُمَرَ نَحْوُ هَذَا ، وَرُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الزِّنَا زِنَاءَانِ : زِنَا سِرٍّ ، وَزِنَا عَلَانِيَةٍ ، فَزِنَا السِّرِّ : أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ ، فَيَكُونُ الشُّهُودُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي ، وَزِنَا الْعَلَانِيَةِ : أَنْ يَظْهَرَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ ، فَيَكُونُ الْإِمَامُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي ، وَهَذَا قَوْلُ سَادَةِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي عَصْرِهِمْ مُخَالِفٌ ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا ، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنَ " الْمُغْنِي " .
وَانْظُرْ أَسَانِيدَ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنِ الصَّحَابَةِ ، هَذَا هُوَ حَاصِلُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ : إِنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْحَمْلِ .
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ الْحَمْلَ وَحْدَهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا ، وَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْبَيِّنَةِ أَوِ الْإِقْرَارِ ، فَقَدْ قَالَ فِي " الْمُغْنِي " : حُجَّتُهُمْ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ وَطْءِ إِكْرَاهٍ أَوْ شُبْهَةٍ يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْمَرْأَةَ تَحْمِلُ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ بِأَنْ يَدْخُلَ مَاءُ الرَّجُلِ فِي فَرْجِهَا ، إِمَّا بِفِعْلِهَا ، أَوْ فِعْلِ غَيْرِهَا ، وَلِهَذَا تُصُوِّرَ حَمْلُ الْبِكْرِ فَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْلُ الصَّحَابَةِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ فَرَوَى
سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15831خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ ،
[ ص: 392 ] حَدَّثَنَا
هَاشِمٌ : أَنَّ امْرَأَةً رُفِعَتْ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ ، وَقَدْ حَمَلَتْ فَسَأَلَهَا
عُمَرُ ، فَقَالَتْ : إِنَّنِي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةُ الرَّأْسِ وَقَعَ عَلَيَّ رَجُلٌ ، وَأَنَا نَائِمَةٌ فَمَا اسْتَيْقَظْتُ حَتَّى فَرَغَ ، فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ ، وَرَوَى
الْبَرَاءُ بْنُ صَبْرَةَ ، عَنْ
عُمَرَ أَنَّهُ أُوتِيَ بِامْرَأَةٍ حَامِلٍ ، فَادَّعَتْ أَنَّهَا أُكْرِهَتْ ، فَقَالَ : خَلِّ سَبِيلَهَا ، وَكَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ ، أَلَّا يُقْتَلَ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ .
وَرُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا : إِذَا كَانَ فِي الْحَدِّ لَعَلَّ وَعَسَى فَهُوَ مُعَطَّلٌ ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=32وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=27وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ - قَالُوا : إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ الْحَدُّ فَادْرَأْ مَا اسْتَطَعْتَ ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10367_25855الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ هُنَا ، اهـ بِلَفْظِهِ مِنَ " الْمُغْنِي " .
وَانْظُرْ أَيْضًا أَسَانِيدَ هَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنِ الصَّحَابَةِ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَ هُوَ حَاصِلُ مَا احْتَجَّ بِهِ الْجُمْهُورُ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الْحَبَلَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ - : أَظْهَرُ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي : أَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْحَبَلِ ، وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ قَدْ يَقَعُ لَا شَكَّ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ فِي الْفَرَجِ ، بَلْ قَدْ يَطَأُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فِي فَخِذَيْهَا ، فَتَتَحَرَّكُ شَهْوَتُهَا فَيَنْزِلُ مَاؤُهَا وَيُنْزِلُ الرَّجُلُ ، فَيَسِيلُ مَاؤُهُ فَيَدْخُلُ فِي فَرْجِهَا ، فَيَلْتَقِي مَاؤُهُ بِمَائِهَا فَتَحْمِلُ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ وَهَذَا مُشَاهَدٌ لَا يُمْكِنُ إِنْكَارُهُ .
وَلِأَجْلِ ذَلِكَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا كَانَ يَطَأُ امْرَأَتَهُ فِي الْفَخِذَيْنِ ، وَلَمْ يُجَامِعْهَا فِي الْفَرْجِ فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اللِّعَانُ لِنَفْيِ ذَلِكَ الْحَمْلِ ; لِأَنَّ مَاءَهُ قَدْ يَسِيلُ إِلَى فَرْجِهَا ، فَتَحْمِلُ مِنْهُ ، وَقَوْلُ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : إِذَا كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ اجْتِهَادٌ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ يَظْهَرُ لَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10340الْحَمْلَ يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا كَالِاعْتِرَافِ وَالْبَيِّنَةِ .
وَإِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّ الْأَظْهَرَ لَنَا خِلَافُ قَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ وُجُودَ الْحَمْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ بَلْ قَدْ تَحْبَلُ بِدُونِ ذَلِكَ ، وَإِذَا كَانَ الْحَبَلُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ فَلَا وَجْهَ لِثُبُوتِ الزِّنَا ، وَإِقَامَةِ الْحَدِّ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ غَيْرِ مُسْتَلْزِمٍ لِمُوجَبِ الْحَدِّ ، كَمَا تَرَى .
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ، هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَنَا ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .