المسألة السابعة : في
nindex.php?page=treesubj&link=10334_10428حكم رجوع الزاني المقر بالزنى أو رجوع البينة قبل إتمام إقامة الحد عليه .
أما الزاني المقر بزناه إذا رجع عن إقراره ، سقط عنه الحد ، ولو رجع في أثناء إقامة الحد من جلد أو رجم ، هذا هو الظاهر .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة : وبه قال
عطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=17344ويحيى بن يعمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
وحماد ،
ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وإسحاق ،
وأبو حنيفة ،
وأبو يوسف ، وقد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة خلاف هذا عن جماعة وروايته عن
مالك ضعيفة .
والظاهر لنا هو ما ذكرنا من سقوط الحد عنه برجوعه عن إقراره ، ولو في أثناء إقامة
[ ص: 415 ] الحد لما قدمنا من حديث
أبي داود وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم لما تبعوا
ماعزا بعد هربه " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009191ألا تركتموه ؟ " ، وفي رواية " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009183هلا تركتموه ؟ فلعله يتوب فيتوب الله عليه " ، وفي ذلك دليل على قبول رجوعه ، وعليه أكثر أهل العلم ، وهو الحق إن شاء الله تعالى ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=10429رجوع البينة أو بعضهم فلم أعلم فيه بخصوصه نصا من كتاب ولا سنة ، والعلماء مختلفون فيه .
واعلم : أن له حالتين :
إحداهما : أن يكون رجوعهم ، أو رجوع بعضهم قبل إقامة الحد على الزاني بشهادتهم .
والثانية : أن يكون رجوعهم ، أو رجوع بعضهم بعد إقامة الحد عليه ، والحد المذكور قد يكون جلدا ، وقد يكون رجما ، فإذا رجعوا كلهم أو واحد منهم قبل إقامة الحد ، فقد قال في ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " : فإن رجعوا عن الشهادة ، أو واحد منهم فعلى جميعهم الحد في أصح الروايتين ، وهو قول
أبي حنيفة ، والثانية : يحد الثلاثة دون الراجع ، وهو اختيار
أبي بكر ،
وابن حامد ; لأنه إذا رجع قبل الحد فهو كالتائب قبل تنفيذ الحكم بقوله ، فسقط عنه الحد ، ولأن في درء الحد عنه تمكينا له من الرجوع الذي يحصل به مصلحة المشهود عليه ، وفي إيجاب الحد زجر له عن الرجوع خوفا من الحد ، فتفوت تلك المصلحة ، وتتحقق المفسدة ، فناسب ذلك نفي الحد عنه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يحد الراجع دون الثلاثة ; لأنه مقر على نفسه بالكذب في قذفه . وأما الثلاثة فقد وجب الحد بشهادتهم ، وإنما سقط بعد وجوبه برجوع الراجع ، ومن وجب الحد بشهادته لم يكن قاذفا فلم يحد ، كما لو لم يرجع ، ولنا أنه نقص العدد بالرجوع قبل إقامة الحد ، فلزمهم الحد كما لو شهد ثلاثة وامتنع الرابع من الشهادة ، وقولهم : وجب الحد بشهادتهم يبطل بما إذا رجعوا كلهم ، وبالراجع وحده ، فإن الحد وجب ، ثم سقط ، ووجب الحد عليهم بسقوطه ، ولأن الحد إذا وجب على الراجع مع المصلحة في رجوعه ، وإسقاط الحد عن المشهود عليه بعد وجوبه ، وإحيائه المشهود عليه بعد إشرافه على التلف فعلى غيره أولى ، انتهى من " المغني " .
وحاصله : أنهم إن رجعوا كلهم حدوا كلهم ، وإن رجع بعضهم ، ففي ذلك ثلاثة أقوال :
الأول : يحدون كلهم .
[ ص: 416 ] والثاني : يحد من لم يرجع دون من رجع .
والثالث : عكسه ، كما هو واضح من كلامه .
والأظهر : أنهم إن رجعوا بعد الحكم عليه بالرجم أو الجلد بشهادتهم أنه لا يقام عليه الحد ، لرجوع الشهود أو بعضهم ، وقول بعض المالكية : إن الحكم ينفذ عليه ، ولو رجعوا كلهم أو بعضهم قبل التنفيذ خلاف التحقيق ، وإن كان المعروف في مذهب
مالك أن الحكم إذا نفذ بشهادة البينة ، أنه لا ينقض برجوعهم وإنما ينقض بظهور كذبهم ; لأن هذا لم يعمموه في الشهادة المفضية إلى القتل لعظم شأنه ، والأظهر أنه لا يقتل بشهادة بينة كذبت أنفسها ، فيما شهدت عليه به ، كما لا يخفى . وأما إن كان رجوع البينة بعد إقامة الحد ، فالأظهر أنه إن لم يظهر تعمدهم الكذب لزمتهم دية المرجوم ، وإن ظهر أنهم تعمدوا الكذب ، فقال بعض أهل العلم : تلزم الدية أيضا ، وقال بعضهم : بالقصاص ، وهو قول
أشهب من أصحاب
مالك ، وله وجه من النظر ، لأنهم تسببوا في قتله بشهادة زور ، فقتلهم به له وجه ، والعلم عند الله تعالى . وإن كان رجوعهم أو رجوع بعضهم بعد جلد المشهود عليه بالزنى بشهادتهم ، فإن لم يظهر تعمدهم الكذب ، فالظاهر أنهم لا شيء عليهم ، لأنهم لم يقصدوا سوءا ، وإن ظهر تعمدهم الكذب وجب تعزيرهم بقدر ما يراه الإمام رادعا لهم ولأمثالهم ، لأنهم فعلوا معصيتين عظيمتين :
الأولى : تعمدهم شهادة الزور .
والثانية : إضرارهم بالمشهود عليه بالجلد ، وهو أذى عظيم أوقعوه به بشهادة زور ، والعلم عند الله تعالى .
تنبيه .
اعلم : أنا قدمنا حكم من زنى ببهيمة في سورة " الإسراء " ، في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا [ 17 \ 33 ] ، وقدمنا حكم اللواط وأقوال أهل العلم وأدلتهم في ذلك في سورة " هود " ، في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=83وما هي من الظالمين ببعيد [ 11 \ 83 ] ، وقد قدمنا الكلام أيضا على أن من
nindex.php?page=treesubj&link=24706زنى مرات متعددة ، قبل أن يقام عليه الحد ، يكفي لجميع ذلك حد واحد في الكلام على آيات " الحج " ، وقد أوضحنا أن الأمة تجلد خمسين ، سواء كانت محصنة أو غير محصنة ; لأن
[ ص: 417 ] جلدها خمسين مع الإحصان منصوص في القرآن كما تقدم إيضاحه ، وجلدها مع عدم الإحصان ثابت في الصحيح .
وأظهر الأقوال عندنا : أن الأمة غير المحصنة تجلد خمسين ، وألحق أكثر أهل العلم العبد بالأمة .
والأظهر عندنا : أنه يجلد خمسين مطلقا أحصن أم لا ، وقد تركنا الأقوال المخالفة لما ذكرنا لعدم اتجاهها عندنا مع أنا أوضحناها في سورة " النساء " في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة الآية [ 4 \ 25 ] ، ولنكتف بما ذكرنا هنا من أحكام الزنى المتعلقة بهذه الآية التي نحن بصددها .
وعادتنا أن الآية إن كان يتعلق بها باب من أبواب الفقه أنا نذكر عيون مسائل ذلك الباب والمهم منه ، وتبيين أقوال أهل العلم في ذلك ونناقشها ، ولا نستقصي جميع ما في الباب ; لأن استقصاء ذلك في كتب فروع المذاهب كما هو معلوم ، والعلم عند الله تعالى .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=10334_10428حُكْمِ رُجُوعِ الزَّانِي الْمُقِرِّ بِالزِّنَى أَوْ رُجُوعِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ إِتْمَامِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ .
أَمَّا الزَّانِي الْمُقِرُّ بِزِنَاهُ إِذَا رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ ، سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ ، وَلَوْ رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ إِقَامَةِ الْحَدِّ مِنْ جَلْدٍ أَوْ رَجْمٍ ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابْنُ قُدَامَةَ : وَبِهِ قَالَ
عَطَاءٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17344وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ ،
وَحَمَّادٌ ،
وَمَالِكٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ،
وَأَبُو حَنِيفَةَ ،
وَأَبُو يُوسُفَ ، وَقَدْ حَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابْنُ قُدَامَةَ خِلَافَ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ وَرِوَايَتُهُ عَنْ
مَالِكٍ ضَعِيفَةٌ .
وَالظَّاهِرُ لَنَا هُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ بِرُجُوعِهِ عَنْ إِقْرَارِهِ ، وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ إِقَامَةِ
[ ص: 415 ] الْحَدِّ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ
أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُمْ لَمَّا تَبِعُوا
مَاعِزًا بَعْدَ هَرَبِهِ " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009191أَلَا تَرَكْتُمُوهُ ؟ " ، وَفِي رِوَايَةٍ " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009183هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ ؟ فَلَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ " ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ رُجُوعِهِ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَهُوَ الْحَقُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10429رُجُوعُ الْبَيِّنَةِ أَوْ بَعْضُهُمْ فَلَمْ أَعْلَمْ فِيهِ بِخُصُوصِهِ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ ، وَالْعُلَمَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ .
وَاعْلَمْ : أَنَّ لَهُ حَالَتَيْنِ :
إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَكُونَ رُجُوعُهُمْ ، أَوْ رُجُوعُ بَعْضِهِمْ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي بِشَهَادَتِهِمْ .
وَالثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ رُجُوعُهُمْ ، أَوْ رُجُوعُ بَعْضِهِمْ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ، وَالْحَدُّ الْمَذْكُورُ قَدْ يَكُونُ جَلْدًا ، وَقَدْ يَكُونُ رَجْمًا ، فَإِذَا رَجَعُوا كُلُّهُمْ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ ، فَقَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابْنُ قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي " : فَإِنْ رَجَعُوا عَنِ الشَّهَادَةِ ، أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَعَلَى جَمِيعِهِمُ الْحَدُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالثَّانِيَةُ : يُحَدُّ الثَّلَاثَةُ دُونَ الرَّاجِعِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
أَبِي بَكْرٍ ،
وَابْنِ حَامِدٍ ; لِأَنَّهُ إِذَا رَجَعَ قَبْلَ الْحَدِّ فَهُوَ كَالتَّائِبِ قَبْلَ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ ، فَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ ، وَلِأَنَّ فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ تَمْكِينًا لَهُ مِنَ الرُّجُوعِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ مَصْلَحَةُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، وَفِي إِيجَابِ الْحَدِّ زَجْرٌ لَهُ عَنِ الرُّجُوعِ خَوْفًا مِنَ الْحَدِّ ، فَتَفُوتُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ ، وَتَتَحَقَّقُ الْمَفْسَدَةُ ، فَنَاسَبَ ذَلِكَ نَفْيَ الْحَدِّ عَنْهُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : يُحَدُّ الرَّاجِعُ دُونَ الثَّلَاثَةِ ; لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكَذِبِ فِي قَذْفِهِ . وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ بِشَهَادَتِهِمْ ، وَإِنَّمَا سَقَطَ بَعْدَ وُجُوبِهِ بِرُجُوعِ الرَّاجِعِ ، وَمَنْ وَجَبَ الْحَدُّ بِشَهَادَتِهِ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا فَلَمْ يُحَدَّ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَرْجِعْ ، وَلَنَا أَنَّهُ نَقَصَ الْعَدَدُ بِالرُّجُوعِ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ ، فَلَزِمَهُمُ الْحَدُّ كَمَا لَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ وَامْتَنَعَ الرَّابِعُ مِنَ الشَّهَادَةِ ، وَقَوْلُهُمْ : وَجَبَ الْحَدُّ بِشَهَادَتِهِمْ يَبْطُلُ بِمَا إِذَا رَجَعُوا كُلُّهُمْ ، وَبِالرَّاجِعِ وَحْدَهُ ، فَإِنَّ الْحَدَّ وَجَبَ ، ثُمَّ سَقَطَ ، وَوَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ بِسُقُوطِهِ ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ إِذَا وَجَبَ عَلَى الرَّاجِعِ مَعَ الْمَصْلَحَةِ فِي رُجُوعِهِ ، وَإِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُوبِهِ ، وَإِحْيَائِهِ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بَعْدَ إِشْرَافِهِ عَلَى التَّلَفِ فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى ، انْتَهَى مِنَ " الْمُغْنِي " .
وَحَاصِلُهُ : أَنَّهُمْ إِنْ رَجَعُوا كُلُّهُمْ حُدُّوا كُلُّهُمْ ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْضُهُمْ ، فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : يُحَدُّونَ كُلُّهُمْ .
[ ص: 416 ] وَالثَّانِي : يُحَدُّ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ دُونَ مَنْ رَجَعَ .
وَالثَّالِثُ : عَكْسُهُ ، كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مِنْ كَلَامِهِ .
وَالْأَظْهَرُ : أَنَّهُمْ إِنْ رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ أَوِ الْجَلْدِ بِشَهَادَتِهِمْ أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، لِرُجُوعِ الشُّهُودِ أَوْ بَعْضِهِمْ ، وَقَوْلُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ : إِنَّ الْحُكْمَ يُنَفَّذُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ رَجَعُوا كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ قَبْلَ التَّنْفِيذِ خِلَافَ التَّحْقِيقِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ فِي مَذْهَبِ
مَالِكٍ أَنَّ الْحُكْمَ إِذَا نُفِّذَ بِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ ، أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ بِرُجُوعِهِمْ وَإِنَّمَا يُنْقَضُ بِظُهُورِ كَذِبِهِمْ ; لِأَنَّ هَذَا لَمْ يُعَمِّمُوهُ فِي الشَّهَادَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْقَتْلِ لِعِظَمِ شَأْنِهِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ كَذَّبَتْ أَنْفُسَهَا ، فِيمَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِهِ ، كَمَا لَا يَخْفَى . وَأَمَّا إِنْ كَانَ رُجُوعُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَظْهَرْ تَعَمُّدُهُمُ الْكَذِبَ لَزِمَتْهُمْ دِيَةُ الْمَرْجُومِ ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا الْكَذِبَ ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : تَلْزَمُ الدِّيَةُ أَيْضًا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بِالْقِصَاصِ ، وَهُوَ قَوْلُ
أَشْهَبَ مِنْ أَصْحَابِ
مَالِكٍ ، وَلَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ ، لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا فِي قَتْلِهِ بِشَهَادَةِ زُورٍ ، فَقَتْلُهُمْ بِهِ لَهُ وَجْهٌ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى . وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُمْ أَوْ رُجُوعُ بَعْضِهِمْ بَعْدَ جَلْدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالزِّنَى بِشَهَادَتِهِمْ ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ تَعَمُّدُهُمُ الْكَذِبَ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا سُوءًا ، وَإِنْ ظَهَرَ تَعَمُّدُهُمُ الْكَذِبَ وَجَبَ تَعْزِيرُهُمْ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ رَادِعًا لَهُمْ وَلِأَمْثَالِهِمْ ، لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا مَعْصِيَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ :
الْأُولَى : تَعَمُّدُهُمْ شَهَادَةَ الزُّورِ .
وَالثَّانِيَةُ : إِضْرَارُهُمْ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْجَلْدِ ، وَهُوَ أَذًى عَظِيمٌ أَوْقَعُوهُ بِهِ بِشَهَادَةِ زُورٍ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
تَنْبِيهٌ .
اعْلَمْ : أَنَا قَدَّمَنَا حُكْمَ مَنْ زَنَى بِبَهِيمَةٍ فِي سُورَةِ " الْإِسْرَاءِ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا [ 17 \ 33 ] ، وَقَدَّمْنَا حُكْمَ اللِّوَاطِ وَأَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَدِلَّتَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي سُورَةِ " هُودٍ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=83وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [ 11 \ 83 ] ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=24706زَنَى مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، يَكْفِي لِجَمِيعِ ذَلِكَ حَدٌّ وَاحِدٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى آيَاتِ " الْحَجِّ " ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا أَنَّ الْأَمَةَ تُجْلَدُ خَمْسِينَ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُحْصَنَةً أَوْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ ; لِأَنَّ
[ ص: 417 ] جَلْدُهَا خَمْسِينَ مَعَ الْإِحْصَانِ مَنْصُوصٌ فِي الْقُرْآنِ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ ، وَجَلْدُهَا مَعَ عَدَمِ الْإِحْصَانِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ .
وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا : أَنَّ الْأَمَةَ غَيْرَ الْمُحْصَنَةِ تُجْلَدُ خَمْسِينَ ، وَأَلْحَقَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْعَبْدَ بِالْأَمَةِ .
وَالْأَظْهَرُ عِنْدَنَا : أَنَّهُ يُجْلَدُ خَمْسِينَ مُطْلَقًا أُحْصِنَ أَمْ لَا ، وَقَدْ تَرَكْنَا الْأَقْوَالَ الْمُخَالِفَةَ لِمَا ذَكَرْنَا لِعَدَمِ اتِّجَاهِهَا عِنْدَنَا مَعَ أَنَّا أَوْضَحْنَاهَا فِي سُورَةِ " النِّسَاءِ " فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ الْآيَةَ [ 4 \ 25 ] ، وَلْنَكْتَفِ بِمَا ذَكَرْنَا هُنَا مِنْ أَحْكَامِ الزِّنَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا .
وَعَادَتُنَا أَنَّ الْآيَةَ إِنْ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِهَا بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ أَنَّا نَذْكُرُ عُيُونَ مَسَائِلِ ذَلِكَ الْبَابِ وَالْمُهِمَّ مِنْهُ ، وَتَبْيِينَ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ وَنُنَاقِشُهَا ، وَلَا نَسْتَقْصِي جَمِيعَ مَا فِي الْبَابِ ; لِأَنَّ اسْتِقْصَاءَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ فُرُوعِ الْمَذَاهِبِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .