الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2654 [ ص: 299 ] باب منه

                                                                                                                              وذكره النووي في الباب المتقدم.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 45 جـ 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن خالد عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال: إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثا، قال خالد: ولو قلت: إنه رفعه لصدقت، ولكنه قال: السنة كذلك].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه; (قال: إذا تزوج البكر على الثيب، أقام عندها سبعا، وإذا تزوج الثيب على البكر، أقام عندها ثلاثا) .

                                                                                                                              قال النووي : اختلف العلماء في أن هذا الحق للزوج، أو للزوجة الجديدة؟

                                                                                                                              و مذهبنا ومذهب الجمهور: أنه حق لها.

                                                                                                                              وقال بعض المالكية: حق له على بقية نسائه.

                                                                                                                              [ ص: 300 ] واختلفوا في اختصاصه بمن له زوجات، غير الجديدة; قال ابن عبد البر: جمهور العلماء على أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف، سواء كان عنده زوجة أم لا، لعموم هذا الحديث، ولم يخص من لم يكن له زوجة.

                                                                                                                              وقالت طائفة: الحديث فيمن له زوجة، أو زوجات غير هذه. لأن من لا زوجة له، فهو مقيم مع هذه كل دهره، مؤنس لها، متمتع بها مستمتعة به بلا قاطع. بخلاف من له زوجات، فإنه: جعلت هذه الأيام للجديدة تأنيسا لها متصلا، لتستقر عشرتها له، وتذهب حشمتها ووحشتها منه، ويقضي كل واحد منهما لذته من صاحبه، ولا ينقطع بالدوران على غيرها.

                                                                                                                              ورجح عياض هذا القول. وبه جزم البغوي. قال: والأول أقوى، وهو المختار، لعموم الحديث.

                                                                                                                              واختلفوا في أن هذا المقام عند البكر والثيب، "إذا كان له زوجة أخرى": واجب أم مستحب؟

                                                                                                                              فمذهب الشافعي، وأصحابه، وموافقيهم: أنه واجب. وهي رواية "ابن القاسم" عن مالك. [ ص: 301 ] وروي عنه: أنه على الاستحباب.

                                                                                                                              (قال خالد) الراوي لهذا الحديث عن أبي قلابة، عن أنس "رضي الله عنه": (ولو قلت: إنه رفعه لصدقت. ولكنه قال: السنة كذلك) .

                                                                                                                              معناه: أن هذه اللفظة، وهي قوله: "من السنة كذا": صريحة في رفعه. فلو شئت أن أقولها بناء على الرواية بالمعنى: لقلتها. ولو قلتها كنت صادقا. لأن قول الصحابي: "من السنة كذا": في حكم الرفع. مثل قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذا.

                                                                                                                              وهذا مذهب المحدثين، وجماهير السلف والخلف. وجعله بعضهم موقوفا. وليس بشيء. قاله النووي .

                                                                                                                              وفي بعض الروايات: (قال أبو قلابة: لو شئت قلت: إن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم

                                                                                                                              قال ابن دقيق العيد: قول أبي قلابة يحتمل الوجهين; [ ص: 302 ] أحدهما: أن يكون ظن أنه سمعه عن أنس "رضي الله عنه" مرفوعا لفظا، فتحرز عنه تورعا.

                                                                                                                              والثاني: أن يكون رأى أن قول أنس: "من السنة": في حكم المرفوع. فلو عبر عنه بأنه مرفوع، على حسب اعتقاده: يصح. لأنه في حكم المرفوع.

                                                                                                                              قال: والأول أقرب. لأن قوله: "من السنة": يقتضي أن يكون مرفوعا بطريق اجتهادي محتمل. وقوله: "إنه رفعه": نص في رفعه. وليس للراوي أن ينقل ما هو ظاهر محتمل، إلى ما هو نص في رفعه.

                                                                                                                              قال في شرح المنتقى: وبهذا يندفع ما قاله بعضهم، من عدم الفرق بين قوله: "من السنة كذا"، وبين رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

                                                                                                                              قال: وقد روى هذا الحديث جماعة عن أنس، وقالوا فيه: (قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم) . كما في البيهقي، ومستخرج الإسماعيلي، وصحيح أبي عوانة، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، والدارمي، والدارقطني. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية