الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3234 [ ص: 504 ] باب: للمرأة أن تنفق من مال زوجها بالمعروف، على عياله

                                                                                                                              وقال النووي في الجزء الرابع : (باب قضية هند ) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 8-9 ج 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عائشة قالت: جاءت هند إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! والله! ما كان على ظهر الأرض، أهل خباء أحب إلي من أن يذلهم الله: من أهل خبائك. وما على ظهر الأرض، أهل خباء أحب إلي من أن يعزهم الله: من أهل خبائك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأيضا والذي نفسي بيده!"

                                                                                                                              ثم قالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل ممسك. فهل علي حرج: أن أنفق على عياله من ماله، بغير إذنه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا حرج عليك أن تنفقي عليهم بالمعروف. "].


                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عائشة "رضي الله عنها " ; قالت : جاءت هند إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت : يا رسول الله ! والله ! ما كان على ظهر الأرض ، أهل خباء أحب إلي من أن يذلهم الله : من أهل خبائك .

                                                                                                                              [ ص: 505 ] وما على ظهر الأرض ، أهل خباء أحب إلي من أن يعزهم الله : من أهل خبائك (.

                                                                                                                              قال عياض : أرادت بقولها : " أهل خباء " : نفسه صلى الله عليه وآله وسلم . فكنت عنه : بأهل الخباء : إجلالا له . ويحتمل ، أن تريد "بأهل الخباء " : أهل بيته .

                                                                                                                              والخباء ، يعبر به : عن مسكن الرجل وداره .

                                                                                                                              (فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " وأيضا ، والذي نفسي بيده! ") .

                                                                                                                              معناه : ستزيدين من ذلك ، ويتمكن الإيمان من قلبك ، ويزيد حبك لله ولرسوله . ويقوى رجوعك عن بغضه .

                                                                                                                              وأصل هذه اللفظة: آض يئيض أيضا: إذا رجع . (ثم قالت : يا رسول الله ! إن أبا سفيان ، رجل ممسك) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى : " مسيك " أي : بخيل . وفي أخرى : " شحيح".

                                                                                                                              (فهل علي حرج : أن أنفق على عياله ، من ماله ، بغير إذنه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "لا حرج عليك : أن تنفقي عليهم بالمعروف ".) .

                                                                                                                              [ ص: 506 ] وفي رواية : " خذي من ماله بالمعروف : ما يكفيك ويكفي بنيك "

                                                                                                                              .وفي أخرى : (فهل علي حرج ، من أن أطعم من الذي له : عيالنا ؟

                                                                                                                              قال لها : "لا ، إلا بالمعروف ".)
                                                                                                                              .

                                                                                                                              وفي هذه الأحاديث فوائد;

                                                                                                                              منها : وجوب نفقة الزوجة .

                                                                                                                              ومنها : وجوب نفقة الأولاد الفقراء .

                                                                                                                              ومنها : أن النفقة مقدرة بالكفاية ، لا بالأمداد.

                                                                                                                              قال النووي : مذهب أصحابنا : أن نفقة القريب : مقدرة بالكفاية . كما هو ظاهر هذا الحديث . ونفقة الزوجة : مقدرة بالأمداد . فذكرها . قال : وهذا الحديث : يرد على أصحابنا

                                                                                                                              .ومنها : جواز سماع كلام الأجنبية ، عند الإفتاء والحكم ، وكذا ما في معناه .

                                                                                                                              ومنها : جواز ذكر الإنسان : بما يكرهه ، إذا كان للاستفتاء والشكوى ، ونحوهما.

                                                                                                                              ومنها : أن من له حق على غيره ، وهو عاجز عن استيفائه ، يجوز له :

                                                                                                                              أن يأخذ من ماله : قدر حقه ، بغير إذنه
                                                                                                                              . وبه قالت الشافعية .

                                                                                                                              ومنع ذلك : أبو حنيفة ، ومالك .

                                                                                                                              [ ص: 507 ] ومنها : جواز إطلاق الفتوى : ويكون المراد : تعليقها بثبوت ما يقوله المستفتي . ولا يحتاج المفتي ، أن يقول : إن ثبت ، كان الحكم : كذا وكذا . بل يجوز له : الإطلاق. كما أطلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فإن قال ذلك ، فلا بأس.

                                                                                                                              ومنها : أن للمرأة مدخلا : في كفالة أولادها ، والإنفاق عليهم :من مال أبيهم .

                                                                                                                              ومنها : اعتماد العرف ، في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي.

                                                                                                                              ومنها : جواز خروج الزوجة ، من بيتها لحاجتها ، إذا أذن لها زوجها في ذلك ، أو علمت رضاه به .

                                                                                                                              وليس في هذا الحديث : ما يدل على القضاء ، على الغائب . كما استدل به جماعات من الشافعية : بل هو إفتاء .

                                                                                                                              وعلى كل حال ، قال القرطبي : هذا أمر إباحة . بدليل ما وقع في البخاري ، بلفظ : "لا حرج".

                                                                                                                              والمراد بالمعروف : القدر الذي عرف بالعادة : أنه الكفاية .

                                                                                                                              قال : وهذه الإباحة ، وإن كانت مطلقة لفظا : فهي مقيدة معنى .

                                                                                                                              كأنه قال : إن صح ما ذكرت .

                                                                                                                              [ ص: 508 ] والحديث دليل ، على وجوب نفقة الزوجة على زوجها ، وهو مجمع عليه كما سلف . وعلى وجوب نفقة الولد على الأب . وأنه يجوز لمن وجبت له النفقة "شرعا" على شخص : أن يأخذ من ماله : ما يكفيه ، إذا لم يقع منه الامتثال ، وأصر على التمرد .

                                                                                                                              . وظاهره : أنه لا فرق في وجوب نفقة الأولاد على أبيهم ; بين الصغير والكبير . لعدم الاستفصال . وهو ينزل منزلة العموم في المقال . وأيضا قد كان في أولادها في ذلك الوقت : من هو مكلف ، كمعاوية " رضي الله عنه " ، فإنه أسلم عام الفتح ، وهو ابن ثمان وعشرين سنة . فعلى هذا : يكون مكلفا من قبل هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى المدينة . وسؤال هند ، كان في عام الفتح .

                                                                                                                              وذهبت الشافعية : إلى اشتراط الصغر ، أو الزمانة . وحكاه ابن المنذر عن الجمهور . والحديث يرد عليهم .

                                                                                                                              ولم يصب : من أجاب عن هذا : بأنه واقعة عين ، لا عموم لها .

                                                                                                                              لأن خطاب الواحد كخطاب الجماعة . كما تقرر في الأصول .

                                                                                                                              وفي رواية متفق عليها : " ما يكفيك ووليدك" .

                                                                                                                              وقد أجيب : بأن الحديث ، من باب الفتيا ، لا من القضاء . وهو فاسد ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم : لا يفتي إلا بحق. [ ص: 509 ] واستدل بالحديث أيضا : من قدر نفقة الزوجة بالكفاية . وبه قال الجمهور .

                                                                                                                              وقال الشافعي : إنها تقدر بالأمداد . فعلى الموسر كل يوم : مدان . وعلى المتوسط : مد ونصف . وعلى المعسر : مد. وروي نحو ذلك عن مالك . والحديث حجة عليهم . كما اعترف بذلك النووي أيضا .

                                                                                                                              وللحديث فوائد ، لا يتعلق غالبها بالمقام . وقد استوفاها الحافظ في "الفتح" . واستوفى طرق الحديث ، واختلاف ألفاظه . وذكرت شطرا منها في : " عون الباري ، لحل أدلة البخاري ". وذكرت مسألة نفقة الزوجة في : " دليل الطالب على أرجح المطالب " . فراجعهما ، تجد فيهما ما يكفيك في ذلك . وبالله التوفيق .




                                                                                                                              الخدمات العلمية