الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2803 باب النهي عن بيع المصراة

                                                                                                                              وقال النووي : (باب حكم بيع المصراة) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 165 - 166 ج 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "من ابتاع شاة مصراة، فهو فيها بالخيار، ثلاثة أيام: إن شاء أمسكها. وإن شاء ردها، ورد معها صاعا من تمر].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ، " رضي الله عنه" ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : من ابتاع شاة مصراة (.

                                                                                                                              قال الشافعي : "التصرية " : هي ربط أخلاف الشاة ، أو الناقة ، [ ص: 619 ] وترك حلبها " اليومين ، والثلاثة" ، حتى يجتمع لبنها ، فيكثر : فيظن المشتري أن ذلك عادتها : فيزيد في ثمنها ، لما يرى من كثرة لبنها.

                                                                                                                              وأصل التصرية : حبس الماء . أو حبس اللبن في الضرع .

                                                                                                                              (فهو فيها بالخيار ، ثلاثة أيام : إن شاء أمسكها . وإن شاء ردها ، ورد معها صاعا من تمر) .

                                                                                                                              وفي رواية : " صاعا من طعام ، لا سمراء " .

                                                                                                                              والأحاديث في هذا الباب : كثيرة طيبة .

                                                                                                                              قال النووي : إن التصرية حرام . ويصح البيع . وأنه يثبت الخيار في سائر البيوع ، المشتملة على تدليس . بأن سود شعر الجارية الشائبة . أو جعد شعر السبطة . ونحو ذلك .

                                                                                                                              وفي خيار المصراة اختلاف ، هل هو على الفور أو يمتد ثلاثة أيام ؟ فقيل : يمتد . لظاهر هذه الأحاديث .

                                                                                                                              والأصح : أنه على الفور . والتقييد ، محمول على ما إذا لم يعلم أنها مصراة .

                                                                                                                              [ ص: 620 ] وإذا ردها ، رد معها صاعا من تمر . سواء كان اللبن قليلا ، أو كثيرا . وسواء كانت ناقة ، أو شاة ، أو بقرة . وبه قال الشافعية ، ومالك ، والليث ، وابن أبي ليلى ، وأبو يوسف ، وأبو ثور ، وفقهاء المحدثين . وهو الصحيح الموافق للسنة .

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة ، وطائفة من أهل العراق : يردها ، ولا يرد صاعا من تمر . لأن الأصل : أنه إذا أتلف شيئا لغيره ، رد مثله إن كان مثليا . وإلا فقيمته . وأما جنس آخر من العروض ، فخلاف الأصول .

                                                                                                                              وأجاب الجمهور عن هذا : بأن السنة ، إذا وردت : لا يعترض عليها بالمعقول .

                                                                                                                              والتقييد بصاع التمر : لأنه كان غالب قوتهم في ذلك الوقت . فاستمر حكم الشرع على ذلك . ووجب صاع في القليل والكثير ، ليكون ذلك حدا يرجع إليه ، ويزول به التخاصم .

                                                                                                                              وكان صلى الله عليه وآله وسلم : حريصا على رفع الخصام ، والمنع من كل ما هو سبب له .

                                                                                                                              ونظير هذا : الدية . فإنها مائة بعير . ولا تختلف باختلاف حال القتيل ، قطعا للنزاع.

                                                                                                                              ومثله : " الغرة " في الجناية على الجنين ، سواء كان ذكرا أو أنثى .

                                                                                                                              تام الخلق ، أو ناقصه
                                                                                                                              . جميلا كان ، أو قبيحا.

                                                                                                                              [ ص: 621 ] ومثله : الجبران " في الزكاة " ، بين الشيئين. جعله الشرع : شاتين ، أو عشرين درهما . قطعا للنزاع . سواء كان التفاوت بينهما قليلا ، أو كثيرا.

                                                                                                                              وقد ذكر الخطابي ، وآخرون : نحو هذا المعنى . والله أعلم . انتهى حاصله .

                                                                                                                              قلت : وقد أخذ بظاهر حديث الباب : الجمهور . وأفتى به الصحابة .

                                                                                                                              وقال به من التابعين ، ومن بعدهم : من لا يحصى عدده .

                                                                                                                              وخالف في أصل المسألة : أكثر الحنفية ، وفي فروعها : آخرون .

                                                                                                                              وقد اعتذر الحنفية ، عن حديث المصراة هذا : بأعذار ، بسطها الحافظ في "الفتح" . والشوكاني " رحمه الله " في "النيل" ، مع زيادة عليها . وقال : لا يخفى على منصف : أن هذه القواعد ، التي جعلوا هذا الحديث مخالفا لها ، لو سلم أنها قد قامت عليها الأدلة ; لم يقصر الحديث عن الصلاحية لتخصيصها . فيا لله العجب ! من قوم يبلغون في المحاماة عن مذاهب أسلافهم ، وإيثارها على السنة المطهرة الصريحة الصحيحة : إلى هذا الحد، الذي يسر به إبليس . وينفق في حصول مثل هذه القضية ; التي قل طمعه في مثلها " من علماء الإسلام " : النفس والنفيس .

                                                                                                                              وهكذا ، فلتكن ثمرات التمذهبات ، وتقليدات الرجال في مسائل الحرام والحلال . انتهى .

                                                                                                                              [ ص: 622 ] قال ابن عبد البر : هذا الحديث ، أصل في النهي عن الغش . وأصل في ثبوت الخيار ، لمن دلس عليه بعيب .

                                                                                                                              وأصل في أنه : لا يفسد أصل البيع .

                                                                                                                              وأصل في أن مدة الخيار : ثلاثة أيام .

                                                                                                                              وأصل في تحريم التصرية ، وثبوت الخيار بها .




                                                                                                                              الخدمات العلمية