الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1660 [ ص: 496 ] باب في فضل النفقة على العيال والأهل

                                                                                                                              وذكره النووي في : (الباب المتقدم) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 81-82 ج 7 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ثوبان "رضي الله عنه" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل دينار ينفقه الرجل: دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله: ودينار ينفقه على أصحابه: في سبيل الله" قال أبو قلابة: وبدأ بالعيال. ثم قال أبو قلابة: وأي رجل، أعظم أجرا: من رجل ينفق على عيال صغار: يعفهم: أو ينفعهم الله به: ويغنيهم؟].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              قال النووي : مقصود الباب : الحث على النفقة على العيال ، وبيان عظم الثواب فيه.

                                                                                                                              لأن منهم : من تجب نفقته بالقرابة .

                                                                                                                              ومنهم : من تكون مندوبة ، وتكون صدقة ، وصلة.

                                                                                                                              ومنهم : من تكون واجبة بملك النكاح ، أو ملك اليمين .

                                                                                                                              [ ص: 497 ] وهذا كله فاضل محثوث عليه . ولهذا قال في رواية أخرى : " أعظمها أجرا : الذي أنفقته على أهلك "، مع أنه ذكر قبله : النفقة في سبيل الله ، وفي العتق ، والصدقة . ورجح النفقة على العيال : على هذا كله ، لما ذكرنا . وزاده توكيدا بقوله في الحديث الآخر : "كفى بالمرء إثما : أن يحبس عمن يملك قوته " . انتهى.

                                                                                                                              قال في "النيل" : قد وقع الإجماع ، على أنه يجب على الولد الموسر : مؤونة الأبوين المعسرين . كما حكى ذلك في "البحر" . واستدل بقوله تعالى : ( وبالوالدين إحسانا ) ثم قال : ولو كانا كافرين . لقوله تعالى : ( وإن جاهداك ) . ولحديث : " أنت ومالك لأبيك ".

                                                                                                                              ثم حكى الإجماع ، على أن الأم المعسرة : كالأب في وجوب النفقة.

                                                                                                                              واستدل له ، بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : " أمك . ثم أمك"

                                                                                                                              ثم حكى عن عمرو بن أبي ليلى ، والحسن بن صالح ، وأحمد ، وأبي ثور : أنها تجب النفقة ، لكل معسر : على كل موسر ، إذا كانت ملتهما واحدة : وكانا يتوارثان . لقوله تعالى : ( وعلى الوارث مثل ذلك ) واللام للجنس .

                                                                                                                              [ ص: 498 ] وحكى عن الحنفية : أنها إنما تلزم للرحم المحرم فقط .

                                                                                                                              وعن الشافعي وأصحابه : لا تجب إلا للأصول والفصول ، فقط .

                                                                                                                              وعن مالك : لا تجب إلا للولد والوالد فقط.

                                                                                                                              وفي الآية : احتمالات لا يصح الاستدلال بها ، على وجوب نفقة كل معسر ، على من يرثه من قرابته الموسرين . لأن الكلام في الآية ، في رزق الزوجات وكسوتهن . ولكنه يدل على المطلوب : عموم قوله صلى الله عليه وسلم : " فلذي قرابتك".

                                                                                                                              ويلزم الأب : نفقة ولده المعسر . فإن كان الولد صغيرا ، فذلك إجماع. كما حكاه في "البحر" . وإن كان كبيرا ، فقيل : نفقته على الأب وحده دون الأم . وقيل : عليهما حسب الإرث . انتهى حاصله .

                                                                                                                              وبالجملة ، فعموم قوله عز وجل : ( على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ) ، وقوله : ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ) تعالى : يدخل تحته الآباء ، والأبناء ، والزوجات : دخولا أوليا . ويتناول سائر القرابة . وإذا قعد الأب وعجز عن الكسب ، وولده قوي سوي ، وأبواب المكاسب متيسرة ، ولم يكتسب [ ص: 499 ] على والده : فهو لم يحسن إليه كما أمره الله تعالى . ولا بره كما أوجب ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

                                                                                                                              وأما إذا كانا جميعا قادرين على التكسب : يتكسب كل واحد منهما لنفسه . فإن قدر الولد : أن يكفي والده مؤونة التكسب : فهو من تمام البر والإحسان إليه .

                                                                                                                              والحاصل : أنه إذا كان البر والإحسان واجبين على الولد بوالده ، كما تدل عليه الأدلة : لزمه ما لا يتم البر إلا به ، ولا يخرج عن ذلك إلا ما خصه الدليل . وأيضا . هو أقرب قربا وأسبق رحما.

                                                                                                                              فالأدلة الدالة على صلة الأرحام : تتناوله تناولا أوليا . والأمهات : أحق بهذا البر والإحسان والصلة : من الآباء . للأحاديث الواردة في ذلك.

                                                                                                                              وأخرج البخاري في "الأدب المفرد" ، وأحمد ، وابن حبان ، والحاكم وصححه ، مرفوعا . بلفظ : " إن الله تعالى يوصيكم بأمهاتكم. ثم يوصيكم بأمهاتكم . ثم يوصيكم بأمهاتكم . ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب".

                                                                                                                              قال في "السيل" : قد ثبتت : كتابا ، وسنة ، وإجماعا : مشروعية "صلة الرحم ". وورد التأكيد في شأنها : بأن : "من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله".

                                                                                                                              وهذا يشمل كل قريب ، متحقق القرابة ، صادق عليه اسم : " الرحم " .

                                                                                                                              وورد في خصوص الأبوين : حديث أبي هريرة ، في الصحيحين [ ص: 500 ] وغيرهما : (قال رجل يا رسول الله ! أي الناس أحق مني بحسن الصحبة ؟ قال : "أمك" . قال : ثم من ؟ قال : " أمك" . قال : ثم من ؟ قال :"أمك" . قال : ثم من ؟ قال : " أبوك".

                                                                                                                              وفي لفظ لمسلم : (أنه قال : من أبر ؟ قال "أمك".

                                                                                                                              وورد في خصوص الأولاد : حديث عائشة ، في الصحيحين وغيرهما ، في قصة " هند " . وفيه : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ".

                                                                                                                              وورد ما هو أعم مما تقدم . وهو حديث : بهز بن حكيم ، عن أبيه عن جده . وفيه : (من أبر ؟ قال : "أمك" - ثلاثا - . ثم قال : " أباك" . " ثم الأقرب فالأقرب ") . رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي بطوله.

                                                                                                                              وفي حديث طارق المحاربي مرفوعا : (يد المعطي : العليا . وابدأ بمن تعول : أمك وأباك ، وأختك وأخاك ، ثم أدناك أدناك) . رواه النسائي ، وابن حبان والدارقطني ، وصححاه.

                                                                                                                              وفي حديث كليب بن منقعة . وفيه بعد قوله : أخاك : " ومولاك الذي يلي ذاك ، حق واجب ورحم موصولة " . رواه أبو داود .

                                                                                                                              وفي حديث أبي هريرة يرفعه : "تصدقوا" قال رجل : عندي دينار [ ص: 501 ] قال : " تصدق به على نفسك " . قال : عندي دينار آخر . قال : " تصدق به على زوجتك " ، قال : عندي دينار آخر . قال : " تصدق به على ولدك " ، قال : عندي دينار آخر . قال : " تصدق به على خادمك "، قال : عندي دينار آخر . قال : " أنت أبصر به ". رواه أحمد ، والنسائي ، ورواه أبو داود ، لكنه قدم : الولد على الزوجة.

                                                                                                                              وفي الباب أحاديث كثيرة جدا.

                                                                                                                              وحديث إذنه صلى الله عليه وآله وسلم لهند ، " أن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف ": يدل على وجوب نفقة الأولاد على أبيهم ، لكن لا مطلقا . بل إذا لم يكن لهم مال . فلا وجه لوجوب النفقة من مال غيرهم . وقد دل على ذلك : ما جاء في القرآن الكريم ، من تفصيل الكلام في أموال اليتامى ، وإنفاقهم منها . وجواز : أن يأكل المنفق لهم من مالهم بالمعروف . انتهى حاصله .




                                                                                                                              الخدمات العلمية