الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2657 [ ص: 303 ] باب هبة المرأة يومها للأخرى

                                                                                                                              وقال النووي : (باب جواز هبتها نوبتها لضرتها) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 48 - 49 جـ 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عائشة قالت ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة قالت: فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة ، قالت: يا رسول الله قد جعلت يومي منك لعائشة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عائشة) رضي الله عنها; (قالت: ما رأيت امرأة أحب إلي: أن أكون في مسلاخها) بكسر الميم. هو الجلد. أي: أن أكون أنا هي.

                                                                                                                              (من سودة بنت زمعة) . بفتح الميم وإسكانها.

                                                                                                                              قال في الفتح: هي زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وكان تزوجها وهو بمكة، بعد موت خديجة. ودخل عليها بها. وهاجرت معه.

                                                                                                                              [ ص: 304 ] وفي مسلم: (قالت) عائشة (وكانت أول امرأة تزوجها بعدي)

                                                                                                                              ومعناه: عقد عليها، بعد أن عقد على عائشة.

                                                                                                                              وأما الدخول بعائشة، فكان بعد سودة بالاتفاق. وقد نبه على ذلك ابن الجوزي. انتهى.

                                                                                                                              (من امرأة فيها حدة) بكسر الحاء. قال عياض : "من" هنا، للبيان، واستفتاح الكلام.

                                                                                                                              ولم ترد عائشة عيب سودة بذلك. بل وصفتها بقوة النفس، وجودة القريحة. "وهي الحدة"

                                                                                                                              (قالت: فلما كبرت، جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة)

                                                                                                                              فيه: جواز هبتها نوبتها لضرتها، لأنه حقها. لكن يشترط رضا الزوج بذلك، لأن له حقا في الواهبة، فلا يفوته إلا برضاه.

                                                                                                                              ولا يجوز أن تأخذ على هذه الهبة عوضا.

                                                                                                                              ويجوز أن تهب للزوج، فيجعل الزوج نوبتها لمن شاء.

                                                                                                                              وقيل: يلزمه توزيعها على الباقيات، ويجعل الواهبة كالمعدومة.

                                                                                                                              [ ص: 305 ] قال النووي : والأول أوضح.

                                                                                                                              وللواهبة الرجوع متى شاءت. فترجع في المستقبل، دون الماضي، لأن الهبات يرجع فيما لم يقبض منها، دون المقبوض. والمراد بقولها: يومها: نوبتها. وهي يوم وليلة.

                                                                                                                              قلت: وفي لفظ للبخاري: "يومها وليلتها". وزاد في آخره: "تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".

                                                                                                                              وفي رواية أبي داود: (فيها وأشباهها نزلت: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا ") الآية.

                                                                                                                              قال في الفتح: تواردت هذه الروايات، على أنها خشيت الطلاق فوهبت. انتهى.

                                                                                                                              والآية المذكورة، تدل على أنه يجوز للمرأة: أن تصالح زوجها، إذا خافت منه أن يطلقها، ما تراضيا عليه: من إسقاط نفقة، أو إسقاط قسمها، أو هبة نوبتها، أو غير ذلك، مما يدخل تحت عموم الآية. كذا في النيل.

                                                                                                                              (قالت: يا رسول الله ! قد جعلت يومي منك لعائشة. فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقسم لعائشة يومين: يومها، ويوم سودة) . [ ص: 306 ] معناه: أنه كان يكون عند عائشة في يومها. ويكون عندها أيضا في يوم سودة. لا أنه يوالي لها اليومين.

                                                                                                                              قال النووي : والأصح عند الشافعية: أنه لا يجوز الموالاة للموهوب لها، إلا برضى الباقيات.

                                                                                                                              وجوزه بعض أصحابنا بغير رضاهن. وهو ضعيف. انتهى.

                                                                                                                              قال في النيل: لا نزاع أنه يجوز "إذا كان يوم الواهبة واليا ليوم الموهوب لها بلا فصل": أن يوالي الزوج بين اليومين، للموهوب لها.

                                                                                                                              وأما إذا كان بينهما نوبة زوجة أخرى، أو زوجات، فقال العلماء:

                                                                                                                              إنه لا يقدمه عن رتبته في القسم، إلا برضاء من بقي.

                                                                                                                              وهل يجوز للموهوب لها، أن تمتنع عن قبول النوبة الموهوبة؟

                                                                                                                              فإن كان قد قبل الزوج، لم يجز لها الامتناع. وإن لم يكن قد قبل، لم يكره على ذلك. حكاه في الفتح.




                                                                                                                              الخدمات العلمية