الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2694 [ ص: 359 ] باب منه

                                                                                                                              وذكره النووي في الباب المتقدم.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 73 - 75 جـ 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عطاء: أنه سمع عبيد بن عمير يخبر: أنه سمع عائشة تخبر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا، قالت: فتواطيت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير. أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما، فقالت: ذلك له فقال: بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له فنزل لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله إن تتوبا لعائشة وحفصة وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا لقوله بل شربت عسلا ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عائشة) رضي الله عنها، (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش، فيشرب عندها عسلا. قالت: [ ص: 360 ] فتواطيت أنا وحفصة. هكذا هو في النسخ. وأصله: "فتواطأت" بالهمزة. أي: اتفقت.

                                                                                                                              (أن أيتنا ما دخل عليها النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم، فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟) بفتح الميم، وبغين معجمة، وفاء. هكذا هو في الموضع الأول، في جميع النسخ.

                                                                                                                              وأما الموضعان الأخيران، فوقع فيهما في بعض النسخ بالياء، وفي بعضها بحذفها.

                                                                                                                              قال عياض : الصواب إثباتها. لأنها عوض عن الواو التي في المفرد.

                                                                                                                              وإنما حذفت في ضرورة الشعر.

                                                                                                                              وهو جمع: "مغفور". وهو صمغ حلو، كالناطف. وله رائحة كريهة، ينضحه شجر يقال له: "العرفط" بضم العين والفاء. يكون في الحجاز.

                                                                                                                              وقيل: إن "العرفط" نبات له ورقة عريضة، تفترش على الأرض، له شوكة حجناء، وثمرة بيضاء كالقطن. مثل زر القميص. خبيث الرائحة.

                                                                                                                              قال عياض : وزعم المهلب: أن رائحة المغافير والعرفط حسنة. وهو خلاف ما يقتضيه الحديث. وخلاف ما قاله الناس.

                                                                                                                              [ ص: 361 ] قال أهل اللغة: "العرفط" من شجر العضاه. وهو كل شجر له شوك. وقيل: رائحته كرائحة النبيذ.

                                                                                                                              وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يكره أن توجد منه رائحة كريهة.

                                                                                                                              (فدخل على إحداهما، فقالت ذلك له. فقال: "بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له"، فنزل: لم تحرم ما أحل الله لك )

                                                                                                                              هذا ظاهر في أن الآية نزلت في سبب ترك العسل. وفي كتب الفقه:

                                                                                                                              أنها نزلت في تحريم مارية.

                                                                                                                              قال عياض : اختلف في سبب نزولها; فقالت عائشة: في قصة العسل. وعن زيد بن أسلم: في تحريم "مارية" جاريته، وحلفه أن لا يطأها.

                                                                                                                              قال: ولا حجة فيه لمن أوجب بالتحريم كفارة، لما روي: أنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال بعد الحلف المذكور: "هي علي حرام". وروي مثل ذلك: من حلفه على شربه العسل وتحريمه. ذكره ابن المنذر.

                                                                                                                              وفي رواية للبخاري: "لن أعود له. وقد حلفت أن لا تخبري بذلك أحدا".

                                                                                                                              [ ص: 362 ] وقال الطحاوي: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في شرب العسل: "لن أعود إليه أبدا "، ولم يذكر يمينا. لكن قوله تعالى: { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } : يوجب أن يكون قد كان هناك يمين.

                                                                                                                              قال النووي : يحتمل أن يكون معنى الآية: قد فرض الله عليكم في التحريم: كفارة يمين. وهكذا يقدره الشافعي، وأصحابه، وموافقوهم. انتهى.

                                                                                                                              وقد تقدم ما هو الصواب، في هذا الباب المتقدم.

                                                                                                                              (إلى قوله تعالى: { إن تتوبا } لعائشة وحفصة. { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا } لقوله: بل شربت عسلا . هكذا ذكره مسلم .

                                                                                                                              قال عياض : فيه اختصار. وتمامه: "لن أعود إليه، وقد حلفت أن لا تخبري بذلك أحدا". كما رواه البخاري.

                                                                                                                              قال النووي : هذا أحد الأقوال في معنى السر. وقيل: بل ذلك في قصة مارية. وقيل: غير ذلك. انتهى.

                                                                                                                              وتحقيق الكلام على هذا: قد ذكرناه في تفسيرنا "فتح البيان"، فراجعه.




                                                                                                                              الخدمات العلمية