الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3165 باب من قتل بحجر ، قتل بمثله

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره ، من المحددات والمثقلات، وقتل الرجل بالمرأة ) .

                                                                                                                              ولفظ المنتقى : ( باب قتل الرجل بالمرأة ، والقتل بالمثقل. وهل يمثل بالقاتل إذا مثل أم لا؟ ) .

                                                                                                                              [ ص: 295 ] (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 159 ج 11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ عن أنس بن مالك؛ أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين. فسألوها: من صنع هذا بك فلان؟ فلان؟ حتى ذكروا يهوديا ، فأومت برأسها ، فأخذ اليهودي فأقر ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بالحجارة ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس بن مالك رضي الله عنه : (أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين ) ) .

                                                                                                                              وفي رواية : " أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها ، فقتلها بحجر ".

                                                                                                                              وفي رواية أخرى : "قتل جارية من الأنصار على حلي لها. ثم ألقاها في القليب ورضخ رأسها بالحجارة ". (فسألوها : من صنع هذا بك ؟ فلان ؟ فلان ؟ حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها. فأخذ [ ص: 296 ] اليهودي فأقر ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن يرض رأسه بالحجارة (.

                                                                                                                              وفي رواية : " فقتله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بين حجرين ".

                                                                                                                              وفي أخرى : "فرضخ رأسه بين حجرين ".

                                                                                                                              وفي رواية : "فأمر به أن يرجم ، حتى يموت. فرجم حتى مات".

                                                                                                                              قال النووي : هذه الألفاظ ، معناها واحد. لأنه إذا وضع رأسه على حجر ، ورمي بحجر آخر : فقد رجم. وقد رض. وقد رضخ. وقد يحتمل : أنه رجمها الرجم المعروف مع الرضخ. لقوله : ثم ألقاها في قليب.

                                                                                                                              قال : وفي هذا الحديث فوائد. منها : قتل الرجل بالمرأة. وهو إجماع من يعتد به.

                                                                                                                              ومنها : أن الجاني عمدا ، يقتل قصاصا ، على الصفة التي قتل ؛ فإن قتل بسيف قتل هو بالسيف. وإن قتل بحجر أو خشب أو نحوهما ، قتل بمثله. لأن اليهودي رضخها ، فرضخ هو.

                                                                                                                              ومنها : ثبوت القصاص في القتل بالمثقلات. ولا يختص بالمحددات. وهذا مذهب الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وجماهير العلماء.

                                                                                                                              [ ص: 297 ] وقال أبو حنيفة : لا قصاص إلا في القتل بمحدد ؛ من حديد ، أو حجر ، أو خشب. أو كان معروفا بقتل الناس بالمنجنيق ، أو بالإلقاء في النار.

                                                                                                                              قال : ومنها : وجوب القصاص ، على الذي يقتل المسلم.

                                                                                                                              ومنها : جواز سؤال الجريح : من جرحك ؟ وفائدة السؤال : أن يعرف المتهم ، ليطالب. فإن أقر ثبت عليه القتل. وإن أنكر فالقول قوله ، مع يمينه. ولا يلزمه شيء بمجرد قول المجروح. هذا مذهب الشافعية ، ومذهب الجماهير. وأن مذهب مالك : ثبوت القتل على المتهم ، بمجرد قول المجروح. وتعلقوا بهذا الحديث. قال : وهذا تعلق باطل. لأن اليهودي اعترف. كما صرح به مسلم في إحدى رواياته. فإنما قتل باعترافه. انتهى.

                                                                                                                              قلت : وقد حكى ابن المنذر أيضا : الإجماع على قتل الرجل بالمرأة. وهو مذهب الجمهور. إلا رواية عن علي ، والحسن ، وعطاء .

                                                                                                                              وقال أبو الزناد : كل من أدركته من فقهائنا ، الذين ينتهى إلى قولهم ، ومن سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل ، قالوا : إن المرأة [ ص: 298 ] تقاد من الرجل ؛ عينا بعين. وأذنا بأذن. وكل شيء من الجراح على ذلك. وإن قتلها قتل بها. انتهى.

                                                                                                                              واختلف الجمهور ؛ هل يتوفى ورثة الرجل من ورثة المرأة ، أم لا ؟ فحكي عن عثمان البتي ، وعن مالك : أنهم يتوفون نصف دية الرجل.

                                                                                                                              وذهبت الشافعية ، والحنفية : إلى أنه يقتل الرجل ، ولا توفية.

                                                                                                                              وعد النووي من فوائد الحديث : أن الجاني عمدا يقتل قصاصا على الصفة التي قتل ؛ فإن قتل بالسيف قتل بالسيف. وإن قتل بحجر أو خشب أو نحوها قتل بمثله. انتهى.

                                                                                                                              أقول : والراجح : حصر القود في السيف. لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : " إذا قتلتم ، فأحسنوا القتلة" وإحسان القتل لا يحصل بغير ضرب العنق بالسيف. ولهذا كان صلى الله عليه وآله وسلم ، يأمر بضرب عنق من أراد قتله. حتى صار ذلك هو المعروف في أصحابه. فإذا رأوا رجلا يستحق القتل قال قائلهم : يا رسول الله ! دعني أضرب عنقه. حتى قيل : إن الضرب بغيره مثلة. وقد ثبت النهي عنها.

                                                                                                                              ( [ ص: 299 ] وأما حديث الباب فقد أجيب : بأنه فعل. فلا يعارض ما ثبت من الأقوال في الأمر بإحسان القتلة ، والنهي عن المثلة. والله أعلم بالصواب .




                                                                                                                              الخدمات العلمية