الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان إنما محط حال المشركين العاجل، وكان قد تقدم قولهم أو تكون لك جنة من نخيل وعنب الآية، وقوله تعالى: إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها الآية، وقوله تعالى: في حق فقراء المؤمنين الذين تقذروهم ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا -الآية واستمر إلى أن ختم بأن جنات المؤمنين عظيم حسنها من جهة الارتفاق، عطف على قوله تعالى وقل الحق من ربكم قوله تعالى كاشفا بضرب المثل أن ما فيه الكفار من الارتفاق العاجل ليس أهلا لأن يفتخر به لأنه إلى زوال: واضرب لهم أي لهؤلاء الضعفاء والمتجبرين الذين يستكبرون على المؤمنين، ويطلبون طردهم لضعفهم وفقرهم: مثلا لما آتاهم الله من زينة الحياة الدنيا، فاعتمدوا عليه وركنوا إليه ولم يشكروا من آتاهم إياه عليه، بل أداهم إلى الافتقار والتكبر على من زوى ذلك [عنه -] إكراما له وصيانة عنه رجلين فكأنه قيل: فما مثلهما؟ فقيل: جعلنا أي بما لنا من العظمة لأحدهما وهو المجعول مثلا لهم جنتين أي بساتين يستر ما [ ص: 57 ] فيهما من الأشجار من يدخلهما على أي وضع من الأوضاع كانتا، ومن جملة الأوضاع أن تكون إحداهما من السهل والأخرى في الجبل، ليبعد عموم عاهة لهما لأنها إما من برد أو حر من أعناب لأنها من أشجار البلاد الباردة وتصبر على الحر، وهي فاكهة وقوت بالعنب والزبيب والخل وغيرها وحففناهما أي حططناهما بعظمتنا بنخل لأنها [من -] أشجار البلاد الحارة، وتصبر على البرد، وربما منعت عن الأعناب بعض أسباب العاهات، وثمرها فاكهة بالبسر والرطب وقوت بالتمر والخل فكأن النخل كالإكليل من وراء العنب، و[هو -] مما يؤثره الدهاقين لأنه في غاية البهجة والمنفعة وجعلنا بينهما أي أرضي الجنتين زرعا لبعد شمول الآفة للكل، لأن زمان الزرع ومكانه غير زمان أثمار الشجر المقدم ومكانه، وذلك هو العمدة في القوت، فكانت الجنتان أرضا جامعة لخير الفواكه وأفضل الأقوات، وعمارتهما متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها ويفصل بينها، مع سعة الأطراف، وتباعد الأكناف، وحسن الهيئات والأوصاف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية