الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3240 [ ص: 413 ] باب : إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب أو أخطأ

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب بيان أجر الحاكم ، إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 13 ج 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ (عن عمرو بن العاص ) رضي الله عنه : ( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حكم الحاكم فاجتهد، ثم أصاب، فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد، ثم أخطأ، فله أجر " ) .]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              قال العلماء : أجمع المسلمون على أن هذا الحديث ، في حاكم عالم أهل للحكم. فإن أصاب فله أجران : أجر باجتهاده ، وأجر بإصابته. وإن أخطأ فله أجر باجتهاده.

                                                                                                                              قال النووي : وفي الحديث حذف ، تقديره : إذا أراد الحاكم فاجتهد قالوا : فأما من ليس بأهل للحكم ، فلا يحل له الحكم. فإن حكم فلا أجر له ، بل هو آثم ، ولا ينفذ حكمه ، سواء وافق الحق أم لا. لأن إصابته فيه اتفاقية ، ليست صادرة عن أصل شرعي ، فهو عاص ( [ ص: 414 ] في جميع أحكامه ، سواء وافق الصواب أم لا. وهي مردودة كلها ، ولا يعذر في شيء من ذلك. وقد جاء في الحديث ، في السنن : " القضاة ثلاثة : قاض في الجنة ، واثنان في النار. قاض عرف الحق فقضى به ، فهو في الجنة. وقاض عرف الحق فقضى بخلافه ، فهو في النار. وقاض قضى على جهل ، فهو في النار".

                                                                                                                              قال النووي : اختلف العلماء ، في أن كل مجتهد مصيب ، أم المصيب واحد ، وهو من وافق الحكم الذي عند الله تعالى ، والآخر مخطئ لا إثم عليه لعذره ؟.

                                                                                                                              قال : والأصح عند الشافعي وأصحابه : أن المصيب واحد.

                                                                                                                              قال : وهذا الاختلاف ، إنما هو في الاجتهاد في الفروع. وأما أصول التوحيد : فالمصيب فيها واحد بإجماع من يعتد به. ولم يخالف إلا ابن الحسن العبتري ، وداود الظاهري ، فصوبا المجتهدين في ذلك أيضا.

                                                                                                                              والظاهر : أنهما أرادا المجتهدين من المسلمين ، دون الكفار. انتهى ) .

                                                                                                                              قلت : والحق : أن الإصابة مع واحد. وإلا لا يكون للتقسيم فائدة. وفي رواية ضعيفة : " إذا اجتهد الحاكم فأخطأ ، فله أجر وإن أصاب ، فله عشر أجور " رواه الحاكم ، والدارقطني ؛ عن عقبة بن عامر ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، رضي الله عنهم.

                                                                                                                              [ ص: 415 ] وفي أخرى : " إن أصبت القضاء ، فلك عشرة أجور. وإن اجتهدت فأخطأت ، فلك حسنة". وإسناده ضعيف أيضا. رواه أحمد عن عمرو بن العاص.

                                                                                                                              وفي هذه الأحاديث : دلالة واضحة ، على عدم صحة قضاء من ليس مجتهدا. ووجه الدلالة منها : أنه لا يعرف الحق إلا من كان مجتهدا. وأما المقلد فهو يحكم بما قال إمامه ولا يدري : أحق هو أم باطل ؟ وهو أحد قضاة النار.

                                                                                                                              والحاصل : أن المقلد ليس ممن يعقل حجج الله إذا جاءته ، فضلا عن أن يعرف الحق من الباطل ، والصواب من الخطإ ، والراجح من المرجوح. بل لا ينبغي : أن ينسب المقلد من كان ؟ وأينما كان ؟

                                                                                                                              وإلى أي إمام يعزى إلى العلم مطلقا. وقد نقل عضد الدين : الإجماع على أنه : لا يسمى المقلد عالما.

                                                                                                                              والكلام على هذه المسألة ، مبسوط في كتابينا : الروضة الندية ، وظفر اللاضي. فراجعهما يشفيا عليلك ، ويسقيا غليلك. إن شاء الله تعالى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية