الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب الثالث في مستند علم الشاهد ، وحكم تحمل الشهادة وأدائها .

                                                                                                                                                                        فيه ثلاثة أطراف .

                                                                                                                                                                        الأول : فيما يحتاج إلى الإبصار ، والأصل في الشهادة البناء على العلم واليقين ، لكن من الحقوق ما لا يحصل اليقين فيه ، فأقيم الظن المؤكد فيه مقام اليقين ، وجوزت الشهادة بناء على ذلك الظن كما سيأتي - إن شاء الله تعالى ، وقد قسم الشافعي والأصحاب رحمهم الله المشهود به ثلاثة أقسام أحدها : ما يكفي فيه السماع ، ولا يحتاج إلى الإبصار ، وموضع بيانه الطرف الثاني .

                                                                                                                                                                        الثاني : ما يكفي فيه الإبصار وهو الأفعال ، كالزنى ، والشرب ، والغصب ، والإتلاف ، والولادة ، والرضاع ، والاصطياد ، والأحياء ، وكون المال في يد الشخص ، فيشترط فيها الرؤية المتعلقة بها وبفاعلها ، فلا يجوز بناء الشهادة فيها على السماع من الغير ، وتقبل فيها شهادة الأصم .

                                                                                                                                                                        الثالث : ما يحتاج إلى السمع والبصر معا ، كالأقوال ، فلا بد من سماعها ومشاهدة قائلها ، وذلك كالنكاح والطلاق ، والبيع ، وجميع العقود ، والفسوخ ، والإقرار بها ، فلا يقبل فيها شهادة الأصم الذي [ ص: 260 ] لا يسمع شيئا ، ولا تقبل شهادة الأعمى فيما يحتاج إلى الإبصار ، ولا يصح منه التحمل اعتمادا على الصوت ، فإن الأصوات تتشابه ويتطرق إليها التخييل والتلبيس مع أنه لا ضرورة إلى شهادته للاستغناء بالبصراء بخلاف الوطء ، فإن له أن يطأ زوجته اعتمادا على صوتها بالإجماع للضرورة ، ولأن الوطء يجوز بالظن ، ولا تقبل شهادته على زوجته التي يطأها كما لا تقبل على الأجانب ؛ لأن الوطء ضرورة ، وقد سبق وجه أن العمى لا يقدح في القضاء وهو مع ضعفه جار في الشهادة ، والصواب المنع .

                                                                                                                                                                        ويستثنى عن هذا صورة الضبطة وهي أن يضع رجل فمه على أذنه ويد الأعمى على رأسه ، فينظر إن سمعه يقر بطلاق أو عتق أو لرجل معروف الاسم والنسب بمال ، ويتعلق به الأعمى ، ولا يزال يضبطه حتى يشهد بما سمع منه عند القاضي ، فيقبل هذه الشهادة على الصحيح لحصول العلم ، وقيل : لا يقبل سدا للباب مع عسر ذلك .

                                                                                                                                                                        وتقبل رواية الأعمى ما سمعه حال العمى على الصحيح ، وبه قطع الجمهور إذا حصل الظن الغالب بضبطه ، واختار الإمام المنع ، فأما ما سمعه قبل العمى ، فتقبل روايته في العمى بلا خلاف ، ولو تحمل شهادة تحتاج إلى البصر وهو بصير ، ثم عمي ، نظر إن تحمل على رجل معروف الاسم والنسب يقر لرجل بهذه الصفة ، فله أن يشهد بعدما عمي ، ويقبل لحصول العلم ، وكذا لو عمي ويد المقر في يده ، فشهد عليه لمعروف الاسم والنسب . وإن لم يكن كذلك ، لم تقبل شهادته ، ويجوز الاعتماد على ترجمة الأعمى على الأصح ، ولو عمي القاضي بعد سماع البينة وتعديلها ، ففي نفوذ قضائه في تلك [ ص: 261 ] الواقعة وجهان ، أحدهما لا ، لانعزاله بالعمى ، كما لو انعزل بسبب آخر ، وأصحهما : نعم إن لم يحتج إلى الإشارة ، كما لو تحمل الشهادة وهو بصير ، ثم عمي ، وأما شهادة الأعمى فيما يثبت بالاستفاضة ، فسيأتي في الطرف الثاني - إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية