الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب الرابع في النكول

                                                                                                                                                                        إذا أنكر المدعى عليه ، واستحلف ، فنكل عن اليمين ، لم يقض عليه بالنكول ، بل ترد على المدعي ، فإن حلف قضي له ، فإن لم يعرف المدعي ، تحول اليمين إليه بنكول المدعى عليه ، عرف القاضي ، وبين أنه إن حلف استحق ، وإنما يحصل النكول بأن [ ص: 44 ] يعرض القاضي اليمين عليه فيمتنع ، وفسر العرض بأن يقول : قل والله ، والامتناع بأن يقول : لا أحلف ، أو أنا ناكل ، قال الإمام : قوله : قل : والله ليس أمرا جازما ، وإنما المراد بيان وقت اليمين المعتمد بها على المدعي ، ولو قال : أتحلف بالله ، وقال : لا ، فليس بنكول ، ولو بدر حين سمع هذه الكلمة وحلف ، لم يعتد بيمينه ؛ لأنه استنجاز لا استحلاف . ولو قال له : احلف ، فقال : لا أحلف ، قال البغوي : ليس بنكول ، وقال الإمام : نكول وهو أوضح ، ولا فرق بين قوله : قل : بالله ، وقوله : احلف بالله ، ولو استحلف فلم يحلف ، ولا تلفظ بأنه ناكل أو ممتنع ، فسكوته نكول ، كما أن السكوت عن الجواب في الابتداء يجعل كالإنكار ، ثم ذكر الإمام وغيره أنه إن صرح بالنكول ، لم يشترط حكم القاضي بأنه ناكل ، وإن سكت حكم القاضي بأنه ناكل ليرتب عليه رد اليمين ، وقول القاضي للمدعي : احلف نازل منزلة قوله : حكمت بأن المدعى عليه ناكل ، وإنما يحكم بأنه ناكل بالسكوت إذا لم يظهر كون السكوت لدهشة وغباوة ونحوهما ، ويستحب للقاضي أن يعرض اليمين على المدعى عليه ثلاث مرات ، والاستحباب فيما إذا سكت أكثر منه فيما إذا صرح بالنكول ، ولو تفرس فيه سلامة جانب ، شرح له حكم النكول ، وإن لم يشرح ، وحكم بأنه ناكل ، وقال المدعى عليه : لم أعرف النكول ، ففي نفوذ الحكم احتمالان للإمام أصحهما النفوذ . وكان من حقه أن يسأل ويعرف قبل أن ينكل ، ولو أراد المدعى عليه بعد الامتناع أن يعود فيحلف ، نظر إن كان ذلك بعد أن حكم القاضي بأنه ناكل ، أو قال للمدعي : احلف ، لم يكن له الحلف ، وإن أقبل عليه ليحلفه ، ولم يقبل بعد ما حلف ، فهل هو كما لو قال : احلف ؟ وجهان ، وإن لم يجر شيء من ذلك ، فله [ ص: 45 ] الحلف حتى لو هرب المدعى عليه قبل أن يحكم القاضي بأنه ناكل ، وقبل أن يعرض اليمين على المدعي ، لم يكن للمدعي أن يحلف اليمين المردودة ، وكان للمدعى عليه أن يحلف إذا عاد ، هكذا أطلق البغوي وغيره ، ومقتضاه التسوية بين التصريح بالنكول ، وبين السكوت حتى لا يمتنع من العود إلى اليمين في الحالين إلا بعد الحكم بالنكول ، أو بعد عرض اليمين على المدعي ، وفي التصريح احتمال ، وحيث منعناه العود إلى الحلف ، فذلك إذا لم يرض به المدعي ، فإن رضي ، فله العود إليه على الأصح ؛ لأن الحق لا يعدوهما ، فلو رضي بأن يحلف المدعى عليه والحالة هذه ، فلم يحلف ، لم يكن للمدعي أن يعود إلى يمين الرد ؛ لأنه أبطل حقه برضاه بيمين المدعى عليه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        نقل الروياني أن قول القاضي للمدعي : أتحلف أنت ؟ كقوله : احلف حتى لا يتمكن المدعى عليه من الحلف بعد ذلك ، قال : وعندي فيه نظر .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية