الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3276 [ ص: 608 ] باب ترك تمني لقاء العدو، والصبر إذا لقوا

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب كراهة تمني لقاء العدو، والأمر بالصبر عند اللقاء)

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 46 - 47 جـ 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ عن أبي النضر عن كتاب رجل من أسلم ، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: عبد الله بن أبي أوفى . فكتب إلى عمر بن عبيد الله ، حين سار إلى الحرورية ، يخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان، في بعض أيامه التي لقي فيها العدو: ينتظر حتى إذا مالت الشمس، قام فيهم فقال: يا أيها الناس! لا تتمنوا لقاء العدو . واسألوا الله العافية. فإذا لقيتموهم فاصبروا. واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" . ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب: اهزمهم، وانصرنا عليهم " .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي النضر، عن كتاب رجل من أسلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم، يقال له: عبد الله بن أبي أوفى) .

                                                                                                                              قال الدارقطني : هذا حديث صحيح. قال: واتفاق البخاري ومسلم على روايته: حجة في جواز العمل بالمكاتبة، والإجازة. وقد جوزوا العمل بهما. وبه قال جماهير العلماء من أهل الحديث، والأصول، [ ص: 609 ] والفقه. ومنعت طائفة الرواية بها. قال النووي : وهذا غلط. والله أعلم.

                                                                                                                              (فكتب إلى عمر بن عبيد الله، حين ساروا إلى الحرورية يخبره: أن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم كان في بعض أيامه التي لقي فيها العدو ينتظر حتى إذا مالت الشمس، قام فيهم) .

                                                                                                                              وقد جاء في غير هذا الحديث: " أنه صلى الله عليه وآله وسلم، كان إذا لم يقاتل أول النهار: انتظر حتى تزول الشمس " قال أهل العلم: سببه: أنه أمكن للقتال. فإنه وقت هبوب الريح ونشاط النفوس. وكلما طال ازدادوا نشاطا وإقداما على عدوهم.

                                                                                                                              وقد جاء في صحيح البخاري: " أخر حتى تهب الأرواح، وتحضر الصلاة"، قالوا: وسببه: فضيلة أوقات الصلوات، والدعاء عندها. والله أعلم.

                                                                                                                              (فقال: يا أيها الناس ! لا تتمنوا لقاء العدو) .

                                                                                                                              وقال النووي : إنما نهى عن تمني لقاء العدو، لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفس، والوثوق بالقوة. وهو نوع بغي. وقد ضمن الله تعالى لمن بغى عليه: أن ينصره. ولأنه يتضمن قلة الاهتمام بالعدو، واحتقاره. وهذا يخالف الاحتياط والحزم.

                                                                                                                              وتأوله بعضهم: على النهي عن التمني في صورة خاصة. وهي إذا [ ص: 610 ] شك في المصلحة فيه، وحصول ضرر. وإلا فالقتال كله فضيلة وطاعة. والصحيح: الأول. ولهذا تممه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: " واسألوا الله العافية".

                                                                                                                              وقد كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال العافية. وهي من الألفاظ العامة، المتناولة لدفع جميع المكروهات، في البدن والباطن، في الدين والدنيا والآخرة. اللهم ! إني أسألك العافية العامة التامة، لي ولأخلافي، ولجميع المسلمين. (فإذا لقيتم فاصبروا) .

                                                                                                                              فيه: حث على الصبر في القتال. وهو آكد أركانه.

                                                                                                                              وقد جمع الله " سبحانه"، آداب القتال، في قوله: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون . وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين . ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط .

                                                                                                                              (واعلموا: أن الجنة تحت ظلال السيوف) . أي: ثواب الله، والسبب الموصل إلى الجنة: عند الضرب بالسيوف في سبيل الله، ومشي المجاهدين في سبيل الله. فاحضروا فيه بصدق، واثبتوا.

                                                                                                                              [ ص: 611 ] (ثم قام النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم وقال: " اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب ! اهزمهم، وزلزلهم، وانصرنا عليهم ") .

                                                                                                                              فيه: استحباب الدعاء عند اللقاء، والاستنصار.




                                                                                                                              الخدمات العلمية