الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان مقصود السورة الدلالة على القدرة على ما استبعده العرب من إعادة الحيوان بعد كونه ترابا، وبدأ ذكر الأنبياء بمن صرفه في العناصر الأربعة كما تقدم قص ذلك من التوراة في [سورتي البقرة والأعراف] إشارة إلى من استبعد عليه ما جعله إلى بعض عبيده [ ص: 433 ] أعمى الناس، تلاه من الأنبياء بمن سخر له واحدا من تلك العناصر، مرتبا لهم على الأخف في ذلك فالأخف على سبيل الترقي، فبدأهم بذكر من سخر له عنصر النار، مع التنبيه للعرب على عماهم عن الرشد بإنكاره للشرك بعبادة الأوثان على أبيه وغيره، ودعائهم إلى التوحيد، والمجاهدة في الله على ذلك حق الجهاد، وهو أعظم آباء الرادين لهذا الذكر، والمستمسكين بالشرك تقليدا للآباء، إثباتا للقدرة الباهرة الدالة على التوحيد الداعي إليه جميع هؤلاء الأصفياء، هذا مع مشاركته بإنزال الصحف عليه لموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ومشاركته لهما في الهجرة، وإذا تأملت ما في سورتي الفرقان والشعراء ازداد ما قلته وضوحا، فإنه لما أخبر تعالى أنهم قالوا لولا نـزل عليه القرآن جملة واحدة بدأ بقصة موسى الذي كتب له ربه في الألواح من كل شيء، وقومه مقرون بعظمة كتابه وأنه أوتي من الآيات ما بهر العقول، وكفر به مع ذلك [كثير منهم -]. ولما قال في الشعراء وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث الآية كما هنا، صنع كما صنع هنا من البداءة بقصة موسى عليه السلام وإيلائها ذكر إبراهيم عليه السلام فقال تعالى: ولقد آتينا [بما لنا من العظمة -] إبراهيم رشده أي صلاحه [ ص: 434 ] وإصابته وجه الأمر واهتداءه إلى عين الصواب وأدل الدلالة وأعرف العرف وأشرف القصد الذي جلبناه عليه; وقال الرازي في اللوامع: والرشد قوة بعد الهداية - انتهى. وأضافه إليه إشارة إلى أنه رشد يليق به على علو مقامه وعظم شأنه لا جرم ظهر عليه أثر ذلك من بين أهل ذلك الزمان كلهم فآثر الإسلام على غيره من الملل من قبل أي قبل موسى وهارون عليهما السلام وكنا [بما لنا من العظمة -] به ظاهرا وباطنا عالمين بأنه جبلة خير يدوم على الرشد ويترقى فيه إلى أعلى درجاته لما طبعناه عليه بعظمتنا من طبائع الخير; وتعليق

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية