الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6181 ) فصل : ويصح الظهار مؤقتا ، مثل أن يقول : أنت علي كظهر أمي شهرا ، أو حتى ينسلخ شهر رمضان . فإذا مضى الوقت زال الظهار ، وحلت المرأة بلا كفارة ، ولا يكون عائدا إلا بالوطء في المدة . وهذا قول ابن عباس ، وعطاء ، وقتادة ، والثوري ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وأحد قولي الشافعي . وقوله الآخر : لا يكون ظهارا . وبه قال ابن أبي ليلى ، والليث ; لأن الشرع ورد بلفظ الظهار مطلقا ، وهذا لم يطلق ، فأشبه ما لو شبهها بمن تحرم عليه في وقت دون وقت . وقال طاوس : إذا ظاهر في وقت ، فعليه الكفارة ، وإن بر . وقال مالك : يسقط التأقيت ، ويكون ظهارا مطلقا ; لأن هذا لفظ يوجب تحريم الزوجة ، فإذا وقته لم يتوقت كالطلاق .

                                                                                                                                            ولنا حديث سلمة بن صخر ، وقوله : ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان . وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أصابها في الشهر ، فأمره بالكفارة . ولم يعتبر عليه تقييده ، ولأنه منع نفسه منها بيمين لها كفارة ، فصح مؤقتا كالإيلاء ، وفارق الطلاق ; فإنه يزيل الملك ، وهو يوقع تحريما يرفعه التكفير ، فجاز تأقيته . ولا يصح قول من أوجب الكفارة وإن بر ; لأن الله تعالى إنما أوجب الكفارة على الذين يعودون لما قالوا ، ومن بر وترك العود في الوقت الذي ظاهر فلم يعد لما قال ، فلا تجب عليه كفارة . وفارق التشبيه بمن لا تحرم على التأبيد ; لأن تحريمها غير كامل ، وهذه حرمها في هذه المدة تحريما مشبها بتحريم ظهر أمه . على أننا نمنع الحكم فيها .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فإنه لا يكون عائدا إلا بالوطء في المدة . وهذا هو المنصوص عن الشافعي . وقال بعض أصحابه : إن لم يطلقها عقيب الظهار ، فهو عائد عليه الكفارة . وقال أبو عبيد : إذا أجمع على غشيانها في الوقت ، لزمته الكفارة . وإلا فلا ; لأن العود العزم على الوطء . ولنا حديث سلمة بن صخر ، وأنه لم يوجب عليه الكفارة إلا بالوطء ، ولأنها يمين لم يحنث فيها ، فلا يلزمه كفارتها ، كاليمين بالله تعالى ، ولأن المظاهر في وقت ، عازم على إمساك زوجته في ذلك الوقت ، فمن أوجب عليه الكفارة بذلك ، كان قوله كقول طاوس ، فلا معنى لقوله : يصح الظهار مؤقتا لعدم تأثير الوقت .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية