الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب صلاة الكسوف الأصل فيه حديث ابن مسعود رضي الله عنه ( قال ) { انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس : إنما انكسفت الشمس لموته فقال عليه الصلاة والسلام : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم شيئا من هذه الأهوال فافزعوا إلى الصلاة } وفي حديث أبي موسى قال { : انكسفت الشمس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا يخشى أن تكون الساعة حتى أتى المسجد فصلى ثم قال : إن هذه الآيات لا ترسل لموت أحد ولكن يرسلها الله تعالى ليخوفكم بها فإذا رأيتموها فاذكروا الله تعالى واستغفروه } ثم الصلاة في كسوف الشمس ركعتان كسائر الصلوات عندنا كل ركعة بركوع وسجدتين وقال الشافعي رضي الله عنه : كل ركعة بركوعين وسجودين لحديث عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس ركعتين بأربع ركوعات وأربع سجدات } ولنا حديث عبد الله بن عمر والنعمان بن بشير وأبي بكرة وسمرة بن جندب بألفاظ مختلفة { أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى في كسوف الشمس ركعتين كأطول صلاة [ ص: 75 ] كان يصليها فانجلت الشمس مع فراغه منها } وفي الكتاب ذكر حديث إبراهيم رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في الكسوف ثم كان الدعاء حتى تجلت } وهو كان مقدما في باب الإخبار فإنما يعتمد على ما يصح منها فدل أن الصحيح أنها كسائر الصلوات ولو جاز الأخذ بما روت عائشة وابن عباس رضي الله عنهم لجاز الأخذ بما روى جابر رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكسوف ركعتين بست ركوعات وست سجدات } وقال علي رضي الله عنه { : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف ركعتين بثمان ركوعات وأربع سجدات } وبالإجماع هذا غير مأخوذ به لأنه مخالف للمعهود فكذلك ما روت عائشة وابن عباس رضي الله عنهما .

وتأويل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم طول الركوع فيها فإنه عرض عليه الجنة والنار في تلك الصلاة فمل بعض القوم فرفعوا رءوسهم وظن من خلفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع رأسه فرفعوا رءوسهم ثم عاد الصف المتقدم إلى الركوع اتباعا لرسول الله عليه الصلاة والسلام فركع من خلفهم أيضا وظنوا أنه ركع ركوعين في كل ركعة ومثل هذا الاشتباه قد يقع لمن كان في آخر الصفوف وعائشة رضي الله عنها كانت واقفة في صف النساء وابن عباس في صف الصبيان في ذلك الوقت فلهذا نقلا كما وقع عندهما ولو كان هذا صحيحا لكان أمرا بخلاف المعهود فينقلها الكبار من الصحابة الذين كانوا يلون رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيث لم يروها أحد منهم دل أن الأمر كما قلنا ثم هذه الصلاة لا يقيمها بالجماعة إلا الإمام الذي يصلي بالناس الجمعة والعيدين فأما أن يصلي كل فريق في مسجدهم فلا لأنه أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يقيمها الآن من هو قائم مقامه وإن لم يقمها الإمام صلى الناس فرادى إن شاءوا ركعتين وإن شاءوا أربعا لأن هذا تطوع والأصل في التطوع أداؤها فرادى إن شاءوا ركعتين وإن شاءوا أربعا وذلك أفضل ثم إن شاءوا طولوا القراءة وإن شاءوا قصروا ثم اشتغلوا بالدعاء حتى تنجلي الشمس فإن عليهم الاشتغال بالتضرع إلى أن تنجلي وذلك بالدعاء تارة وبالقراءة أخرى وصح في الحديث أن { قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى كان بقدر سورة البقرة وفي الركعة الثانية بقدر سورة آل عمران } فالأفضل أن يطول القراءة فيها

التالي السابق


الخدمات العلمية