الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5707 [ ص: 384 ] 48 - باب: ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب

                                                                                                                                                                                                                              6054 - حدثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا ابن عيينة، سمعت ابن المنكدر، سمع عروة بن الزبير، أن عائشة - رضي الله عنها - أخبرته قالت: استأذن رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: "ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة". فلما دخل ألان له الكلام، قلت: يا رسول الله، قلت الذي قلت، ثم ألنت له الكلام! قال: "أي عائشة، إن شر الناس من تركه الناس - أو ودعه الناس - اتقاء فحشه". [انظر: 6032 - مسلم: 2591 - فتح: 10 \ 471]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - السالف في باب لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحشا.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف من هو الرجل المذكور. وكتب الدمياطي أيضا بخطه أنه مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، والد المسور، (وهو أحد القولين فيه، وحكاهما معا ابن بشكوال) ، وهذا الحديث أصل في جواز غيبة أهل الفساد، ألا ترى قوله - عليه السلام - للرجل: "بئس أخو العشيرة" وإنما قاله لما قد صح عنده من شره; لقوله في آخر الحديث: "إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه". وسلف حكمه وإلانته له الكلام قريبا.

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن وضاح محمد بن المصفى، ثنا بقية بن الوليد، عن الربيع بن يزيد، عن أبان، عن أنس مرفوعا: "من خلع جلباب الحياء فلا غيبة فيه" ، وفسره ابن سعدان، قال: معناه من عمل عملا قبيحا [ ص: 385 ] كشفه للناظرين، ولم يرع وقوفهم عليه، فلا بأس بذكره عنه من حيث لا يسمع; لأنه كمن أذن في ذلك لكشفه عن نفسه، فأما من استتر بفعله فلا يحل ذكره لمن رآه; لأنه غير آذن في ذكره، وإن كان كافرا. وقد سئل ابن وهب عن غيبة النصراني فقال: لا; لقول الله تعالى: وقولوا للناس حسنا [البقرة: 83] وهو من الناس، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه [الحجرات: 12] فجعل هذا لهم مثلا، وفي الحديث: "اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره الناس" .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن أبي زيد: يقال لا غيبة في أمير جائر، ولا في صاحب بدعة يدعو إليها، ولا لمن يشاور في إنكاح أو شهادة أو نحو ذلك. وقد قال - عليه السلام - لفاطمة بنت قيس، حين شاورته فيمن خطبها: "إن معاوية صعلوك لا مال له" ، وكذلك رأت الأئمة أن من يقبل قوله من أهل الفضل يجوز له أن يبين أمر من يخاف أن يتخذ إماما، فيذكر ما فيه من كذب أو غيبة، مما يوجب ترك الرواية عنه. وكان شعبة يقول: اجلس بنا نغتاب في الله.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: ("إن شر الناس من تركه الناس (اتقاء شره) ، أو ودعه اتقاء فحشه") معنى (ترك) و (ودع) واحد.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 386 ] قيل: ولا تستعمل ودع (إلا) بالتشديد. قال سيبويه: استغنوا عن تخفيفه بـ (ترك)، وفي الحديث الآخر: "عن ودعهم الجمعة" .

                                                                                                                                                                                                                              وقال شمر: زعمت النحوية أن العرب أماتوا مصدر ودع وماضيه، والشارع أفصح .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الشاذ: (ما ودعك) . وقال ابن فارس: الودع مصدر ودعته، تقول: دع ذا .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية