الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5821 6175 - قال سالم: قال عبد الله: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس فأثنى على الله

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 587 ] بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: "إني أنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور".
                                                                                                                                                                                                                              [انظر: 3057 - مسلم: 169 (سيأتي بعد حديث 2931) - فتح 10 \ 561]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن صياد من طريق ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنه - فقال: حدثنا أبو الوليد، ثنا سلم بن زرير، سمعت أبا رجاء، قال: سمعت ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن صائد: "قد خبأت لك خبيئا، فما هو؟ ". قال: الدخ. قال: "اخسأ".

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه - عليه السلام - قال لابن صياد: "اخسأ، فلن تعدو قدرك ..
                                                                                                                                                                                                                              " الحديث بطوله.

                                                                                                                                                                                                                              و ("اخسأ"): زجر للكلب وإبعاد له وطرد، يقال: خسأت الكلب: طردته. وخسئ الكلب بنفسه، يتعدى ولا يتعدى. هذا أصل هذه الكلمة عند العرب، ثم استعملت في كل من قال أو فعل ما لا ينبغي له، مما يسخط الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                              قال صاحب "الأفعال": يقال: خسأت الكلب فخسأ أي: زجرته فبعد .

                                                                                                                                                                                                                              وفي القرآن: كونوا قردة خاسئين [البقرة: 65] أي: مبعدين وقال تعالى: قال اخسئوا فيها ولا تكلمون [المؤمنون: 108] أي: ابعدوا بعد الكلاب ولا تكلمون في رفع العذاب عنكم; فكل من عصى الله تعالى سقطت حرمته، ووجب خطابه بالغلظة والشدة والذم له; لينزع عن مذهبه; ويرجع عن قبيح فعله.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 588 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (ثم قال ابن صياد: أتشهد أني رسول الله؟ (فرضه) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ).

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن بطال: من رواه بالضاد فمعناه: دفعه حتى وقع، فتكسر، يقال: رض الشيء فهو رضيض ومرضوض إذا انكسر، ومن رواه بالصاد فمعناه: رصه حتى دخل بعضه في بعض، يقال: رص البنيان، والقوم في الحرب رصا إذا قرب بعضها إلى بعض وقربها، ومنه قوله تعالى: كأنهم بنيان مرصوص [الصف: 4] .

                                                                                                                                                                                                                              وعبارة ابن التين: فرضه: رفضه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الخطابي: وقع هنا بضاد معجمة، وهو غلط، والصواب بالصاد أي: قبض عليه بيده، يضم بعضه إلى بعض .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل معنى المعجمة: دفعه.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              فيه أن الله لم يطلع نبيه على الدجال متى يخرج في أمته، وأخفى عنه ذلك لما هو أعلم به، فلا علم لنبي مرسل ولا ملك مقرب إلا بما أعلمه الله به، ولذلك قالت الملائكة: لا علم لنا إلا ما علمتنا [البقرة: 32].

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: ("خبأت لك خبيئا"). على وزن فعيل، وهو ماض، وكذلك الخبء.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 589 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              والرهط: دون العشرة، وليس معهم امرأة، والأطم يثقل ويخفف، والجمع: آطام، وهي قصور لأهل المدينة، وقال الداودي: هو القصر والمكان المرتفع.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظهره بيده). قال الداودي: يحتمل أن يريد ليخرج الله ما يسر على لسانه.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (هو الدخ) قال الداودي: كان - عليه السلام - خبأ له سورة الدخان في يده مكتوبة، فأصاب بعض الكلمة، وهذا كأنه من استراق الجن السمع، فيلقون ذلك إلى الكاهن، فيكذب ويخلط معها. قال: وهو معنى قوله: "خلط عليك". قال القزاز: الدخ: الدخان وكذا قاله ابن فارس ، وقال الجوهري: الدخ بالضم لغة في الدخان .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: ("إن يكن هو لا سبيل لك عليه") يعني: الدجال الذي يزعم أنه رب فلم يسلط عليه; لأن له أعمالا وقد يبلغها.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله") فلأنه يومئذ صغير ليس من أهل التكليف ويرجى إسلامه، وقيل: إنه أسلم ، قاله الداودي، (وأورده ابن شاهين في الصحابة وقال: هو عبد الله بن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 590 ] صائد،
                                                                                                                                                                                                                              كان أبوه يهوديا فولد عبد الله أعور مختونا. وقيل: إنه الدجال ثم أسلم، فهو تابعي، له رؤية. وقال أبو سعيد الخدري: صحبني ابن صياد إلى مكة، فقال: لقد هممت أن آخذ حبلا فأوثقه إلى شجرة، ثم أختنق مما يقول الناس في. وذكر الحديث وهو في مسلم) .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (يؤمان النخل). أي: يقصدانها، يقال: أمه وأممه وتأممه أي: قصده.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وهو يختل) أي: يختال، قاله الداودي، وقال أهل اللغة: الختل: الخدع.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة). قال الداودي: شك المحدث أيهما قال، وهو الصوت الذي لا يفهم كالهينمة، وفي "الصحاح": رمرم إذا حرك فاه بالكلام . وقال في باب الزاي: الزمزمة: صوت الرعد، عن أبي زيد. والزمزمة: كلام المجوس عند أكلهم . قال الداودي: ويروى: زمزة ورمرة. وكان يستلقي على ظهره ويسجي تشبها بفعله - عليه السلام - .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الحديث: أن الله تعالى لم يعلم نبيه: متى يخرج الدجال في أمته؟ وأخفى عنه ذاك; لما هو أعلم به.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية