الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ( وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم ) .

      التالي السابق


      ش قوله : ( وفي باب وعيد الله . . ) إلخ ؛ يعني : أن أهل السنة والجماعة وسط في باب الوعيد بين المفرطين من المرجئة الذين قالوا : لا يضر مع الإيمان ذنب ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة ، وزعموا أن الإيمان مجرد [ ص: 222 ] التصديق بالقلب ، وإن لم ينطق به ، وسموا بذلك نسبة إلى الإرجاء ؛ أي : التأخير ؛ لأنهم أخروا الأعمال عن الإيمان .

      ولا شك أن الإرجاء بهذا المعنى كفر يخرج صاحبه عن الملة ؛ فإنه لا بد في الإيمان من قول باللسان ، واعتقاد بالجنان ، وعمل بالأركان ، فإذا اختل واحد منها لم يكن الرجل مؤمنا .

      وأما الإرجاء الذي نسب إلى بعض الأئمة من أهل الكوفة ؛ كأبي حنيفة وغيره ، وهو قولهم : إن الأعمال ليست من الإيمان ، ولكنهم مع ذلك يوافقون أهل السنة على أن الله يعذب من يعذب من أهل الكبائر بالنار ، ثم يخرجهم منها بالشفاعة وغيرها ، وعلى أنه لا بد في الإيمان من نطق باللسان ، وعلى أن الأعمال المفروضة واجبة يستحق تاركها الذم والعقاب ؛ فهذا النوع من الإرجاء ليس كفرا ، وإن كان قولا باطلا مبتدعا ؛ لإخراجهم الأعمال عن الإيمان .

      وأما الوعيدية ؛ فهم القائلون بأن الله يجب عليه عقلا أن يعذب العاصي ؛ كما يجب عليه أن يثيب المطيع ، فمن مات على كبيرة ولم يتب منها لا يجوز عندهم أن يغفر الله له ، ومذهبهم باطل مخالف للكتاب والسنة ؛ قال تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، وقد استفاضت الأحاديث في خروج عصاة الموحدين من النار ودخولهم الجنة .

      [ ص: 223 ] فمذهب أهل السنة والجماعة وسط بين نفاة الوعيد من المرجئة وبين موجبيه من القدرية ، فمن مات على كبيرة عندهم ؛ فأمره مفوض إلى الله ، إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه ؛ كما دلت عليه الآية السابقة .

      وإذا عاقبه بها ؛ فإنه لا يخلد خلود الكفار ، بل يخرج من النار ، ويدخل الجنة .




      الخدمات العلمية