الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1823 32 - (حدثنا آدم بن أبي إياس قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تسحروا فإن في السحور بركة).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، ورجاله قد ذكروا غير مرة.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن قتيبة به، وابن ماجه عن أحمد بن عبيدة، ولما أخرجه الترمذي قال: وفي الباب عن أبي هريرة، وعبد الله بن مسعود، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وعمرو بن العاص، والعرباض بن سارية، وعتبة بن عبد، وأبي الدرداء. (قلت): وفي الباب عن علي، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وأبي أمامة، وأبي سعيد الخدري، والمقدام بن معدي كرب، وعائشة، وميسرة الفجر، ورجل آخر غير مسمى.

                                                                                                                                                                                  أما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي عنه مرفوعا وموقوفا بلفظ حديث أنس، وروى أبو يعلى في (مسنده) عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بالبركة في السحور والثريد"، وفي رواية له قال: " السحور بركة، والثريد بركة، والجماعة بركة"، وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه النسائي أيضا مرفوعا وموقوفا، وقال: الموقوف أولى بالصواب، قال شيخنا: هكذا حكاه المزي في (الأطراف)، ولم أره في (السنن الصغرى) ولا (الكبرى)، وأما حديث جابر فأخرجه ابن عدي في (الكامل) عنه باللفظ المتقدم، وفيه مقال، وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه، عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " استعينوا بطعام السحر على صيام النهار، والقيلولة على قيام الليل"، وأخرجه الحاكم في (مستدركه)، وأما حديث عمرو بن العاص فأخرجه مسلم والنسائي أيضا عن قتيبة، ورواه مسلم أيضا من طرق، وأبو داود من رواية موسى بن علي بسند، وأما حديث العرباض بن سارية فأخرجه أبو داود والنسائي عنه قال: " دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور في رمضان، فقال: هلم إلى الغداء المبارك "، وعند النسائي: " هلموا"، وأخرجه ابن حبان في (صحيحه) وضعفه ابن القطان ، وأما حديث عتبة بن عبد، وأبي الدرداء، فأخرجه ابن عدي في (الكامل) عنهما، قالا: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: " تسحروا من آخر الليل، وكان يقول: هو الغداء المبارك"، وأما حديث علي رضي الله تعالى عنه فأخرجه ابن عدي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تسحروا ولو بشربة من ماء، وأفطروا ولو على شربة من ماء "، وفي سنده حسن بن عبد الله بن حمزة، وهو متروك. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه ابن حبان في (صحيحه) عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تسحروا ولو بجرعة من ماء". وأما حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب فأخرجه ابن حبان أيضا عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين"، وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الطبراني في (مسند الشاميين) عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم بارك لأمتي في سحورها، تسحروا ولو بشربة من ماء، ولو بتمرة، ولو بحبات زبيب، فإن الملائكة تصلي عليكم "، وفيه مقال. وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه أحمد في (مسنده) عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " السحور بركة، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين"، ورواه ابن عدي أيضا عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم صل على المتسحرين، تسحروا ولو أن يأكل أحدكم لقمة أو يجرع جرعة ماء "، وفيه مقال، وأما حديث المقدام بن معدي كرب، فأخرجه النسائي عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عليكم بالسحور، فإنه هو الغداء المبارك"، وروي مرسلا [ ص: 302 ] أيضا، وأما حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فأخرجه أبو يعلى في مسنده عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قربي إلينا الغداء المبارك، يعني السحور، وربما لم يكن إلا تمرتين"، وأما حديث ميسرة الفجر؛ فأخرجه أبو نعيم الأصفهاني عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تسحروا ولو أكلة، ولو حسوة، فإنها أكلة بركة، وهو فصل بين صومكم وصوم النصارى " وفيه مقال، وقال الذهبي: ميسرة الفجر له صحبة، من أعراب البصرة، " قال يا رسول الله: متى كنت نبيا"، وأما حديث الصحابي الذي لم يسم، فأخرجه النسائي من حديث عبد الله بن الحارث يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر، فقال: إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه "، ورجال إسناده ثقات، قوله: " تسحروا" قد ذكرنا أنه أمر ندب بالإجماع، قوله: " في السحور" قال شيخنا - رحمه الله-: روينا بفتح السين وضمها، وهو بالضم الفعل، وبالفتح اسم لما يتسحر به؛ كالوضوء، والسعوط، والحنوط ونحوها. قوله: " بركة" قد ذكروا فيها معان؛ الأول: أنه يبارك في اليسير منه، بحيث يحصل به الإعانة على الصوم، ويدل عليه قوله: " ولو بجرعة ماء، ولو بتمرة" ونحو ذلك، ويكون ذلك بالخاصية، كما بورك في الثريد والطعام إذا هدي في الحرارة، واجتماع الجماعة على الطعام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " اجتمعوا على طعامكم يبارك لكم فيه"، الثاني: يراد بالبركة نفي التبعة فيه، وقد ذكر صاحب الفردوس من حديث أبي هريرة: " ثلاثة لا يحاسب عليها العبد؛ أكلة السحور، وما أفطر عليه، وما أكل مع الإخوان"، الثالث: يراد بالبركة القوة على الصيام وغيره من أعمال النهار، الرابع: يراد بالبركة الرخصة والصدقة، وهو الزيادة في الأكل على الأكل عند الإفطار، كما كان أولا، ثم نسخ، وأصل البركة في اللغة الزيادة والنماء، وقال عياض: قد تكون هذه البركة ما يتفق للمتسحر من ذكر أو صلاة أو استغفار وغيره، من زيادات الأعمال التي لولا القيام للسحور لكان الإنسان نائما عنها وتاركا لها، وتجديد النية للصوم ليخرج من الاختلاف. وقال ابن دقيق العيد: هذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية، فإن إقامة السنة توجب الأجر وزيادته، ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية، كقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير إضرار بالصائم، قال: ومما يعلل به استحباب السحور المخالفة لأهل الكتاب؛ لأنه ممتنع عندهم، وهذا أحد الوجوه المقتضية للزيادة في الأجور الأخروية.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية